أقول: لماذا تبحث الأخت المذكورة عَن إيجاد سبب آخر لخلقنا، وتحاول التَّوَسُّع في ذلك، وقد قال الله –سبحانه وتعالى-: (وما خلقتُ الجِنَّ والإنسَ إلا ليعبدون) [الذاريات: 56]، وأي بيانٍ بعد بيان الله؟ وعُلماء اللغة يقولون أن هذا الأسلوب يفيد القصر والتخصيص والتأكيد؛ لأن الجملة وقعت بين نفي واستثناء: "ما ... إلا"؛ أي: لم أخلقهم إلا لهذه الغاية. فلماذا يُضَيِّع الإنسان أوقاتَه وقد هداه الله رَبُّ العالمين في كِتابٍ (لا يأتيه الباطِلُ من بين يديه ولا مِن خَلفِه تنزيل من حكيم حميد) [فصلت: 42]؟!
2 - قوله: "نحن نوجد في هذا العالم بسبب ارتكابنا جريمة رهيبة عندما كنا في الملأ الأعلى، وهذه الحياة هي فرصتنا لكي نعتق أنفسنا و نكفر عن جريمتنا"اهـ.
- قوله: (نحن نوجد في هذه العالم بسبب ارتكابنا جريمة رهيمة ... وهذه الحياة هي فرصتنا لكي نعتق أنفسنا و نكفر عن جريمتنا).
هذا الكلام كَذِب باطِل، وهاك الدليل: (وما خلقتُ الجِنَّ والإنسَ إلا ليعبدون) [الذاريات: 56]، فنحن ما خُلِقنا إلا لعبادة الله وحدَه لا شريك له، والخَلق إنما يكون لشىء مَعدوم، لا لشىء كان موجودًا قبل ذلك، وارتكب جريمة رهيبة –كما يزعم كاتب المقال الأصلي-.
فهذا القول يُشير أن الإنسان كان حَيًّا قبل إيجاده على الأرض، وهذا كَذِبٌ؛ فالله يقول: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحيكم ثم إليه تُرجَعون) [البقرة: 28]، فالإنسان قبل خَلقِه كان عَدَمًا، وهو مَخلوقٌ مِن العَدَم.
- قوله: "عندما كنا في الملأ الأعلى".
قال الله –تعالى-: "منها خلقناكم وفيها نُعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى" [طه: 55]، أي أن الإنسان إنما وُجِدَ مِن الأرض بعد نزول أبيه (آدم) وأمه (حواء) -عليه السلام- إليها، ولم نَكُن –نحن البشر- في الملأ الأعلى، بل في ظُهور آبائِنا في عالَم لا يَعلمُه إلا الله –سبحانه وتعالى-.
- وأما قوله (بسبب ارتكابنا جريمة رهيبة)، فقد فسرها في ثنايا المقال بقوله عَن "البَشَر" بأنهم "مخلوقات لم تحدد موقفها وفشلوا في اتخاذ موقف حازم مع سلطة الله المطلقة" اهـ.
وهو يعني بذلك أنهم تشككوا في ألوهية الله –سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون عُلُوًّا كبيرًا-.
وهذا كَذِبٌ مُفترى؛ قال الله –سبحانه وتعالى-: (وإذ أخذ ربُّك مِن بَني آدمَ من ظهورهم ذُرِّيَّتَهم وأشْهَدَهُم على أنفُسِهم ألستُ بِرَبِّكم قالو بلَى شَهِدْنا ... ) [الأعراف: 172]. وفي هذه الآية "يخبر –تعالى- أنه استخرج ذريةَ بني آدم، من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم أن اللهَ ربُّهم ومَليكهم، وأنه لا إله إلا هو، كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه ... " –كما يقول الحافظ (ابن كثير) -رحمه الله تعالى- في "تفسيره"-.
فأين –إذن- تلك الجريمة الرهيبة التي ارتكبها البشر، وخُلِقوا مِن أجل أن يكفروا عَنها –كما يزعُم هذا الكاتب-؟!
3 - قوله: "عندما نشأ نزاع في الملأ الأعلى (38: 69) عندما أعتقد أحد المخلوقات العالية المكانة" اهـ.
وهو هنا يشير إلى قوله تعالى (ما كان لي من عِلم بالملأ الأعلى إذ يختصمون) [ص: 69]، فظَنّ بجهله وكَذِبِه أن الاختصام المذكور هو اعتقاد (إبليس) "أن القوة التي أعطاها الله له تؤهله بأن يصبح إله بجانب الله"، ولو كَلَّف نَفسَه وراجع كَلامَ المُفسرين لتَبيَّن له الحَقُّ مِن الباطِل؛ فاختصام الملأ الأعلى –وهم الملائِكَة (على خِلاف) معناه: يعني اختلافهم "في شأن (آدم) عليه السلام، وامتناع إبليس من السجود له، ومحاجته ربه في تفضيله عليه، وغير ذلك "، ولذلك أتبع اللهُ –سبحانه وتعالى- هذه الآية بقصة (آدم) –عليه السلام-، والله أعْلَم.
4 - قوله: "إبليس اعتقد بغروره أن القوة التي أعطاها الله له تؤهله بأن يصبح إله بجانب الله ... وبذلك تحدى سلطة الله المطلقة" اهـ.
هذا كذب؛ قال الله تعالى: "وإذا قُلنا للمائكة اسجُدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه"، وهذا الفِسق والعِصيان لله حَدَثَ بعد خلق (آدم) –عليه السلام-، فمفهوم الآية أن (إبليس) كان مُطيعًا لله قبل خَلق (آدم) –عليه السلام- وإلا لَمَا أُمِر بالسجود مع الملائِكَة. وقد يقول قائل أن الكاتب يعني أن (إبليس) اعتقد هذا الاعتقاد بعد خلق (آدم) –عليه السلام-، فالجواب من وَجهين:
¥