تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبوخطاب العوضي]ــــــــ[19 Aug 2004, 09:02 م]ـ

لا يَبْلُغُ كُنْهَ صِفَتِهِ الواصفون , ولاَ يُحيطُ بأمرِه المُتَفَكِّرونَ , يَعتَبِرُ المتفَكَّرونَ , بآياته , ولا يَتَفكَّرونَ في مَاهِيَةِ ذاتِه

أهل السنة يصفون الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم , على ما يليق به سبحانه وتعالى , مع فهم المعنى والجهل بالكيف , فهُم يُثبتون الصفات ولا يبحثون عن كيفياتها , وهم مفوضةٌ بالكيف دون المعنى , كما جاء واضحاً في الأثر المشهور عن مالك رحمه الله عندما سئُل عن كيفية الاستواء فقال (الاستواءُ معلوم , والكيف مجهول , والإيمان به واجب , والسؤال عنه بدعة).

ومعنى كلام ابن أبي زيد أنه لا يستطيع أحدٌ أن يصف الله بما هو عليه , بأن يعرف كيفية اتصافه بالصفات , لأن ذلك من الغيب الذي لا يعلمه إلا هو.

وقوله (ولاَ يُحيطُ بأمرِه المُتَفَكِّرونَ) أمرُ الله منه ما هو كوني قَدري , ومنه ما هو ديني شرعي , فالكونيُّ مقل قول الله عز وجل (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) , والشرعي مثل قوله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ... ).

وكل من الأمر الكوني والأمر الشرعي مشتملٌ على حكمة , فما قدره الله فلحكمة , وما شرعه الله فلحكمة , وقد يعلم العبادُ شيئاً من الحكم في الأمر الكوني القدري والأمر الشرعي , ولكنهم لا يحيطون بحكم الله في خلقه وشرعه , فإن الواجب الإيمان بالقدر , والاستسلامُ للأمر والنهي , سواء عرف العبادُ حكم ذلك لأم لم يعرفوها.

ولكنهم إذا عرفوا شيئاً من ذلك زاد إيمانهم ويقينهم , وإذا لم يعرفوا الحكمة في القدر والشرع فإن ذلك لا يثنيهم عن القيام بما هو واجب عليهم من الإيمان بالقدر والانقياد للأحكام الشرعية.

والذي اشتمل عليه كلام ابن أبي زيد رحمه الله نفيُ الإحاطة بالحكم والأسرار , لتعبيره (المُتَفَكِّرونَ) وليس المقصود معرفة الأحكام الشرعية , فإن ذلك مطلوبٌ في العلم والعمل , لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث (ما نهيتكم عن فاجتنبوه , وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم) أخرجه البخاري 7288 , ومسلم 1327.

وقوله (يَعتَبِرُ المتفَكَّرونَ بآياته) آيات الله نوعان: شرعية وكونية , فالآيات الشرعية هي التي اشتمل عليها القرآن الكريم , والآيات الكونية آياته في خلقه كالليل والنهار , والشمس والقمر وغير ذلك ويدل للاعتبار بالآيات الشرعية قول الله عز وجل (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) , وقوله (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) وقوله (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).

ويدل للاعتبار بالآيات الكونية قول الله عز وجل (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) , وقوله (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وقوله (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ * وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) , وقوله (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) , وقوله (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

وقوله (ولا يَتَفكَّرونَ في مَاهِيَةِ ذاتِه) الله عز وجل بذاته وصفاته الخالق وما سواه مخلوق , وقد مر في كلام ابن أبي زيد رحمه الله التفويض لكيفية الصفات , وأنه لا يبلغ كُنهَ صفته الواصفون , وكما أنه لا يجوز البحث في كيفية الصفات , فكذلك لا يجوز البحث في كيفية الذات , ولهذا قال (ولا يَتَفكَّرونَ في مَاهِيَةِ ذاتِه) أي حقيقتها والكيفية الني هي عليها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير