تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبوخطاب العوضي]ــــــــ[16 Sep 2004, 09:56 ص]ـ

4 - ولا يُحيطون بشيءٍ من عِلمه إلاَّ بِما شاء وَسِعَ كرْسِيُّه السَّموات والأرض , ولايِؤُوده حفظُهما وهو العليُّ العَظيمُ

هذه الجمل الأربع قطعةٌ من آية الكرسي المشتملة على عشر جمل ومثلها في الاشتمال على عشر جمل قول الله عز وجل (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) نبه على ذلك ابن كثير رحمه الله عند تفسيره هذه الآية من سورة الشورى.

قوله (ولا يُحيطون بشيءٍ من عِلمه إلاَّ بِما شاء) من صفات الله عز وجل العلم , وعلمُه محيطٌ بكل شيء كمال قال الله عز وجل (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) , أما المخلوقين فلا يعلمون من علمه إلا ما علمهم إياه , كما قال (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) , وقال (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) , وقال (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) , وأخبر الله عن نبيه نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ... ) , وأمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يُخبر قومه أنه لا يعلم الغيب , فقال (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيّ ... ) , وقال (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).

وأخبر الله عن الملائكة أنههم (قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) , وقال الله عز وجل (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) , وقال الله عن الجن (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) , وقال (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).

وأما السنة فقد جاء فيها أحاديث كثيرة تدل على بيان أمور لا يعلمها الرسول صلى الله عليه وسلم , مثل قصة الإفك , فإنه لم يعلم براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلا بعد نزول القرآن في براءتها في آيات تُتلى في سورة النور , ومثل قصة العِقْد الذي فقدته عائشة رضي الله عنها في إحدى سفراتها مع النبي صلى الله عليه وسلم , وقد بقول في منزلهم للبحث عنه , وانتهى ماؤهم , فأنزل الله إليه آية التيمم , وعند رحيلهم وُجد العقدُ تحت الجمل الذي تركب عليه عائشة رضي الله عنها.

قال ابن كثير عن تفسير آية الكرسي (وقوله " وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ " أي: لا يطلع أحدٌ من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عز وجل وأطلعه عليه , ويحتمل أن يكون المراد: لا يطلعون على شيء من علم ذاته وصفاته إلا بما أطلعهم الله عليه , كقوله " وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ").

وقوله (وَسِعَ كرْسِيُّه السَّموات والأرض) الكرسي مخلوقٌ من مخلوقات الله , وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه موضع القدمين , كما في المستدرك للحاكم 2/ 282 , وقال (إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ولم يتعقبه الذهبي , وفي إسناده عمار الدُّهني , وهو من رجال مسلم دون البخاري.

وانظر تخريجه في السلسة الضعيفة للشيخ الألباني 906 , والضعيف فيه هو المرفوع , وأما الأثر الذي جاء عن ابن عباس من تفسير الكرسي بالعلم , ففي إسناده جعفر بن أبي المغيرة , عن سعيد بن جبير , قال فيه الحافظ في التقريب (صدوق يتهم) , وقال ابن منده في كتاب الرد على الجهمية ص45 (لم يُتابع عليه جعفر , وليس بالقوي في سعيد بن جُبير) , وأورده الذهبي في ترجمت جعفر في الميزان 1/ 417 , وقال (وذكره ابن أبي حاتم وما نقل توثيقه , بل سكت) , ونقل ما تقدم عن ابن منده.

وقال الطحاوي في عقيدة أهل السنة والجماعة (والعرشُ والكرسيُّ حقَق).

وقوله (ولايِؤُوده حفظُهما) أي: لا يثقله ولا يشقُّ عليه , وهو نفي متضمن إثبات كمال قدرته , قال ابن كثير في تفسيره (أي: لا يثقله ولا يكترثه حفظ السموات والأرض ومن فيهما ومن بينهما , بل ذلك سهلٌ عليه يسيرٌ لديه).

وقوله (وهو العليُّ العَظيمُ) اسمان من أسماء الله يدلان على صفتين من صفات الله , وهما العلو والعظمة , والله تعالى متصفٌ بالعلوِّ بأنواعه الثلاثة: علو القدر , وعلوُّ القهر , وعلوُّ الذات , وقد جاء اسم الله العليّ في القرآن مقترناً بثلاثة من أسماء الله , وهي العظيم , والحكيم , والكبير مع تقدمه عليها في الذكر.

فاقترانه بالعظيم كما هنا , وفي أول سورة الشورى.

واقترانه بالكبير كما في سورة النساء (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) , وفي سورتي الحج ولقمان (وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ).

واقترانه بالحكيم كما في آخر سورة الشورى (إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير