وقد وضع برجشتراسر تصويراً عند المفاضلة بين النسخ الخطية والمتفاوتة؛ إذ يقول: "إن أقدار النسخ الخطية لكتاب ما متفاوتة جداً، فمنها ما لا قيمة له أصلاً في تصحيح نص الكتاب، ومنها ما يعول عليه ويوثق به، ووظيفة الناقد أن يقدر قيمة كل نسخة من النسخ ويفاضل بينها وبين سائر نسخ الكتاب، متبعاً في ذلك قواعد منها:
أ-أن النسخ الكاملة أفضل من النسخ الناقصة.
ب-النسخ الواضحة أحسن من غير الواضحة.
ج-النسخ القديمة أفضل من الحديثة.
د-النسخ التي قوبلت بغيرها أحسن من التي لم تقابل (15).
على أن تحديد منازل النسخ يتمخض عنه: اختيار النسخة التي تتخذ أصلاً للتحقيق تقابل عليه النسخ الأخرى، كما ينتج عنه تحديد النسخ التي أخذت عن بعضها بحيث يمكن الاستغناء عن النسخ المتشابهة والاكتفاء بالأصل الذي أخذت عنه.
المرحلة الثانية:
مرحلة التحقيق بكل ما ينطوي تحته من تثبت من مؤلف الكتاب وعنوانه وتحرير لنصه، أما عنوان الكتاب واسم المؤلف فغالباً ما يذكران في المقدمة. وفي حالة فقد أجزاء من المقدمة أو طمس إحدى هاتين المعلومتين، أو جزء من أيهما كأن نعثر على عنوان الكتاب ولا نعثر على اسم المؤلف، أو نعثر على اسم الكتاب أو اسم المؤلف ناقصين، في مثل هذه الحالات يلزم الرجوع إلى الكتب الببلوجرافية التي تحصي أسماء المؤلفين (16).
أما إذا فقدت المقدمة وفقد معها اسم الكتاب واسم مؤلفه فلا سبيل إلى التعرف على شخصيته إلا من خلال قراءة النص وتحديد موضوعه، والتمرس بأساليب المؤلفين وخصائصهم، والرجوع إلى الكتب الموسوعية أو كتب التخصص التي قد تكون نقلت نصوصاً عن هذا الكتاب وسمته أو ذكرت مؤلفه. وتلك كلها أمور تحتاج إلى خبرة واسعة بالتراث العربي وإحاطة شاملة بخصائص المؤلفين.
فإذا اطمأننا إلى عنوان الكتاب واسم مؤلفه، انتقلنا إلى النص نفسه، فإن كانت نسخة المؤلف هي التي ننشرها فلا مشكلة لأنها تجب كل نسخ الأخرى، أما إذا كنا أمام مجموعة من النسخ فيجب أن نرمز لكل منها برمز معين، وأن نتخذ أقدمها وأوثقها وأصحها أساساً لنشر، ونقابلها بالنسخ الأخرى ونثبت الخلافات بين النسخ في الحواشي.
ولكن تحقيق النص ليس مجرد مقابلة عدة نشخ على بعضها، ولا هو تصويب له أو تصحيح لأخطائه، وإنما هو محاولة للاقتراب من النص الذي تركه المؤلف وافتقدناه، ولهذا تجدر الإشارة إلى بعض المبادئ الأساسية التي ينبغي الالتفات إليها عند تحقيق النص وأهمها:
1 - أن المحقق ليس من مهمته تقويم النص أو تصحيح المعلومات الواردة به.
2 - أنه ليس من مهمته استكمال النقص الموجود في النص إلا إذا كان النص لا يستقيم دون إضافة، وفي هذه الحالة ينبغي أن توضع الإضافة بين معقوفتين.
أن تتخذ هوامش الصفحات في:
أ-إثبات الخلاف بين النسخ.
ب-تخريج النصوص، أي ردها إلى مصادرها، فإن كانت آية قرآنية ذكرت السورة التي وردت بها ورقمها فيها، وإن كان حديثاً ذكر المصدر الذي ورد به، وإن كان نصاً من كتاب رجع إليه في مصدره للتثبت منه وأثبت المصدر والصفحة التي نقل عنها.
ج-إثبات التعليقات والشروح، كالتعريف بالمواضيع والأشخاص المذكورين في النص، وتفسير العبارات الغامضة التي تحتاج إلى بسط ليتسنى فهم المراد منها.
د-التنبيه على الأخطاء العلمية التي وقعت في النص. أما الأخطاء الإملائية واللغوية فتصوب في موضعها ما لم تكن النسخ التي ننشرها هي أصل المؤلف. ففي هذه الحالة يستبقي الرسم الإملائي كما هو، ويستبقي الأخطاء اللغوية والنحوية كما هس لأنها جزء من تكوين المؤلف ودليل على ثقافته، ومع ذلك ينبغي التنبيه إلى الصواب في الحاشية.
هـ-ربط أجزاء الكتاب بعضها ببعض، بالإشارة إلى ما سبق أو ما سيأتي من الكتاب مما له علاقة بموضوع الحديث.
المرحلة الثالثة:
مرحلة الإخراج والنشر، وهي الصورة الأخيرة للكتاب المحقق وتشتمل على ما يلي:
أ-مقدمة التحقيق:
ويتناول فيها المحقق الأمور التالية (17):
1 - ترجمة مؤلف المخطوطة.
2 - التعريف بموضوع الكتاب وتحليل مادته، وبيان منهجه ومصادره.
3 - التحقيق في عنوان الكتاب.
4 - تحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه.
5 - وصف النسخ المعتمدة في التحقيق، ويقتضي ذلك ما يلي:
(أ) ذكر مصدر النسخة بلداً، وكتبة، أو شخصاً إذا كانت في حوزة أحد الأفراد، مع النص على الرقم الذي تحمله في مكان وجودها.
¥