تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يتجرأ ويحد عمله ـ غير مكتف بالإنشاد أو غير مكتف برأيه في القصيدة ـ فيصلح ما تراءى له , ثم ينشد القصيدة منقحة حرصا منه على شاعره الذي يريد له المنزلة العالية , والمكانة المرموقة عند من يتلقون شعره من المتذوقين.»

4) ظاهرة المدارس الشعرية:

المقصود بالمدرسة الشعرية في العصر الجاهلي مجموعة من الشعراء يشتركون معا في بعض الميزات والخصائص الفنية أو اللغوية أو المنهجية التي تميّز شعرهم وأدبهم ...

ولعل من أبرز هذه المدارس؛ مدرسة عبيد الشعر وهم الذين يهتمون بتنقيح وتهذيب أشعارهم ـ كما تقدم ـ زعيم هذه المدرسة ورأسها كما ذكر صاحب الأغاني هو أوس بن حجر وعنه أخذ زهير بن أبي سلمة وعنه ابنه كعب وراويته الحطيئة وعن الحطيئة هُدْبَة بن خشْرم العُذري وعن هدبة أخذ جميل صاحب بثينة وعن جميل أخذ كثيَّر صاحب عزَّة

يقول الدكتور شوقي ضيف: « ... وهو نص بالغ الخطورة إذ نطلع منه على نشوء فكرة المدارس الشعرية عند الجاهليين ... »

ويقول أيضا: « ... نحن إذا بإزاء مدرسة تامة من الشعراء الرواة تتسلسل في طبقات أو حلقات وكلّ حلقة تأخذ عن سابقتها وتسلم إلى لا حقتها ومن أهمّ ما يلاحظ في هذه المدرسة أنّ شعراءها أو رواتها كانوا من قبائل مختلفة في شرقي الجزيرة وغربها ... »

وتقابل هذه المدرسة بمرتجلي الشعر ومن أشهرهم النابغة الذبياني وحسان بن ثابت

وأحيانا شعراء القبيلة الواحدة يكونون مدرسة متميّزة لكثرة ما يأخذون عن بعضهم البعض ويتتلمذون على بعضهم البعض.كما يقول شوقي ضيف:1 « ... ولعلنا لا نبعد إذا قلنا إنّ شعراء القبيلة الواحدة كان يروي خلفهم شعر سلفهم ونصّ القدماء على ذلك في غير شاعر ... ومن يقرأ ديوان الهذليين يجد أواصر فنية قوية تجمعهم وتربط بينهم وعلى هذا القياس توجد وشائج واضحة بين شعراء قيس بن ثعلبة ... »

ولابدّ أنّ خصائص كلّ مدرسة كانت تختلف عن خصائص المدرسة الأخرى ولا بدّ أنّ هذا الاختلاف كان معروفا معلوما عند النقاد خاصتهم وعامتهم وعليه يتمّ التفاضل والتقديم والتمييز بين رديء الشعر وجيّده ..

وهذه المدارس ليست متعلقة بالرواية فقط بحيث لا ندركها ولا نتعرّف عليها إلاّ من خلال ما يثبت من علاقة بين الشعراء ورواتهم ... بل النظر في أشعارهم وما فيها من الخصائص والميزات المشتركة هو الذي يحدّدها يقول الأستاذ شوقي ضيف دائما 1: «ولو أنّ الرواة لم يرووا لنا هذه الصلات الجامعة أو الرابطة بين الشعراء الجاهليين لدسناها حدساً من اتفاقهم على تقاليد فنية واحدة مهما شرَّقنا وغرّبنا في الجزيرة وهي تقاليد جاءت من تمسّكهم بنماذج أسلافهم لا يحيدون عنها ولا ينحرفون فهي دائما الإمام المتّبع ... »

5) ظاهرة المعلقات: قال ابن عبد ربّه: «قد بلغ من كلف العرب بالشعر وتفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد تخيّرتها من الشعر القديم فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة وعلّقتها بأستار الكعبة» وقد اختلفوا في حقيقة تعليقها على أستار الكعبة وقال بعض المحققين أنّ هذا التعليق إنّما من باب الأساطير وأنّه تفسيرُ وفهمُ بعض المتأخرين للفظة معلقات والحقيقة أنّ معناه تعلّق القلوب بها وعلقها هي في القلوب وقيل أنّ اختيار الرجل للشعر قطعة من عقله ...

«وهذا الاختيار يعكس تصور المختار للمثل الأعلى الذي يروقه كما أنّه يدل على تذوقه للصور الفنية الناضجة التي كانت عليها هذه القصائد مبنى ومعنى , والتي ظلّ الذوق العربي يألفها وينسج على منوالها طوال عصور الأدب ... »

6) ظاهرة تسمية القصائد: المقصود بالتسمية ها هنا المبنية على أساس نقدي كالمعلقات السبع والسموط أو المسمَّطات والمقلَّدات والبتّارات ذكر صاحب الأغاني عن حماد الراوية قوله: كانت العرب تعرض أشعارها على قريش فما قبلوا منها كان مقبولا , وما ردّوا منها كان مردودا فقدم عليها علقمة بن عبدة فأنشدهم:

هل ما علمتَ وما استودعتَ مكتوم أم حَبْلُها أنْ نأتْكَ اليومَ مصرومُ

فقالوا: هذه سمط الدهر ثمّ عاد إليهم في العام المقبل فأنشدهم:

طحابك قلب في الحسان طروبُ بُعَيْد الشباب عصرحان مشيبُ

فقالوا: هاتان سمطا الدهر.

ووصف الأمير الغساني لقصيدة حسان بقوله: هذه والله هي البتّارة التي بترت القصائد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير