تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلى غرار العلماء المسلمين انبرى علماء اليهودية والمسيحية للكتابة بدورهم في هذا المجال أمثال أبي الحسن يهودا اللاوي (حوالي 1075 - 1141) صاحب (الحجة والدليل في نصرة الدين الذليل) المعروف في الأدبيات اليهودية والاستشراقية بالكوزري. ويُمثل هذا الكتاب بدفاعه المستميت عن اليهودية مواجهة مكشوفة مع الديانتين المسيحية والإسلام. أما سعد بن منصور بن سعد بن الحسن بن هبة الله بن كمونة الإسرائيلي الملقب بعز الدولة (1215 - 1285) فهو صاحب كتاب (تنقيح الأبحاث في الملل الثلاث). وقد بالغ ابن كمونة الإسرائيلي -حسب حميد بن عيد الكبيسي (1982: 15) - في مناصرة اليهودية على حساب النيل من سائر الأديان التي يخالفها ومنها الإسلام.

دور ابن حزم في تأسيس علم مقارنة الأديان

لا أحد يجادل الآن في أن العلماء المسلمين كان لهم الفضل في وضع بعض أسس دراسة الأديان وذلك قبل ظهور علم مقارنة الأديان عند الغربيين في العصر الحديث. ويؤكد محمد عبد الله دراز (أن أثر العرب والمسلمين في علم الأديان يمتاز بطابعين جديدين: أولا: أن الحديث عن الأديان أصبح على يد العلماء المسلمين دراسة وصفية واقعية منعزلة عن سائر العلوم والفنون شاملة لكافة الأديان المعروفة في عهدهم. ثانيا: أن العلماء في وصفهم للأديان المختلفة لم يعتمدوا على الأخيلة والظنون، ولكنهم كانوا يستمدون أوصافهم من مصادرها الموثوق بها) (محمد عبد الله دراز، 2003: 44).

ويذهب حاييم زعفراني إلى القول بأن التلامذة العرب والمسلمين (تجاوزوا في بعض النواحي وفي مجالات عدة معلميهم اليونانيين. إذ لا يجب أن يغيب عن بالنا مجال لا نجد له نظيراً في الكتابات اليونانية ألا وهو العلم الجديد الذي يُعنى بالمقارنة بين الأديان) ( Haïm Zafrani, 2003:84).

وفي هذا المجال يحتل كتاب (الفصل في الملل والأهواء والنحل) لابن حزم أهمية خاصة لعدة اعتبارات من بينها: انفتاح ابن حزم على الآخر لمساءلته ومحاورته والتواصل معه، وهي خطوة جريئة إذا ما نظرنا إليها في ضوء مقاييس ذلك العصر، وتطلع ابن حزم إلى مقارنة الإسلام بغيره من الديانات، ولاسيما الديانتين المسيحية واليهودية، وانتقال ابن حزم في دراسة الأديان من مستوى الوصف إلى مستوى أعمق ألا وهو مستوى النقد الصريح للتوراة ولأسفار العهدين القديم والجديد. هذا هو -حسب أحمد شحلان- (لب نقد ابن حزم الذي كان فاتحة علم مقارنة الأديان والنظر فيها) (أحمد شحلان، 2003: 79).

إن كتاب (الفصل) -بما يحتوي عليه من نقد علمي للتوراة والأناجيل- يُعد إذًا أول دراسة نقدية للكتاب المقدس سبقت بأمد طويل أعمال باروخ سبينوزا Baruch (Benoit) Spinoza (13) وريشارد سيمون Richard Simon (1638-1722) وجون أستريك J.Astruc وفلهاوزن (14) Welhausen وغيرهم.

ولا يستبعد أحمد شحلان أن يكون باروخ سبينوزا نفسه قد تأثر في نقده للتوراة بابن حزم، وذلك من خلال إبراهام بن عزرا (ت 1167) الذي كان -شأنه في ذلك شأن أغلب العلماء اليهود آنذاك- شديد التأثر بالثقافة العربية.

إن الوجهة الجديدة التي نهجها إبراهام بن عزرا في دراسة التوراة ما هي إلا صدى لثقافته العربية، أو لما يكون قد وصله من مجادلات ومناظرات دينية سواء بين المسلمين أنفسهم أو بين المسلمين من جهة وأهل الكتاب من جهة أخرى. ويعتقد عبد الرازق أحمد قنديل أن ابن عزرا اطلع دون شك على كتابي ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل الذي نحن بصدد الحديث عنه، وفي كتاب الرد على ابن النغريلة (عبد الرازق أحمد قنديل، 239 - 240).

نقد التوراة

كان موقف العلماء المسلمين من اليهودية يجمع ما بين التصديق بالصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى والتشكيك في نسبة التوراة إلى النبي موسى -عليه الصلاة والسلام-. إن القرآن الكريم يتضمن آيات عديدة تشير صراحة إلى ما لحق كتاب اليهود من تحريف على يد اليهود أنفسهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير