?فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا .. ? سورة البقرة، آية 79 و?وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ? سورة النساء، آية 46 و?فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ .. ? سورة المائدة، آية 13.
والحقيقة أن اعتراضات ابن حزم وغيره من العلماء المسلمين على التوراة لها ما يماثلها عند خصوم اليهودية سواء قبل الإسلام أو بعده. غير أننا لا ندري إن كان للعلماء المسلمين علم بها. كما نجهل تماما مدى استفادتهم من هذه الاعتراضات إذا ما وُجدت تحت تصرفهم.
وفي جميع الحالات لا نستبعد أن يكون لهذه الاعتراضات صدى بينهم. ممن اعترضوا على التوراة قبل الإسلام: مرقيون Marcion الذي دعا إلى نبذ أسفار العهد القديم كلها، ولم يحتفظ من العهد الجديد سوى بإنجيل لوقا والرسائل العشر المنسوبة إلى القديس بطرس Saint Paul وسلسوس المشرك Celsus وفورفوريوس Porphyre (233-304) ويوليان المرتد Julien l’Apostat. أما بعد الإسلام فنذكر: حيويه البلخي اليهودي من خوارج اليهود وإسماعيل العكبري اليهودي وأنستانسيوس السينائي (نهاية القرن 7م) والأعازار بن عزريا وفوتيوس القسطنطيني (القرن 9م).
مصادر ابن حزم في نقد التوراة
لا شك في أن التعريف باليهودية أو نقد كتابها يقتضي وجود التوراة نفسها مترجمة إلى العربية حتى يسهل على العلماء المسلمين الرجوع إليها. فمتى تُرجمت التوراة إلى العربية؟
هناك من الباحثين من لا يستبعد وجود ترجمة للتوراة كاملة أو على الأقل لبعض أجزائها قبل الإسلام. وقد استند جواد على في ترجيح هذا الاحتمال على خوض بعض شعراء الجاهلية أمثال عدي بن زيد وأمية بن أبي الصلت والأعشى في أمور وأحداث توراتية (15). في حين ترى سلوى ناظم (أن الشيء المقبول لدى الدارسين هو القول بأنه هناك شروح أو تراجم بالعربية كانت قد بدأت في الظهور والانتشار بين اليهود المتكلمين بالعربية منذ فترات قديمة وقد يكون بعضها قد تم تدوينه) (سلوى ناظم، 1988: 90).
أما علماء الكتاب المقدس فينفون حسب عبد الكريم فرحات، (2006: 7) (وجود أي ترجمة عربية لأسفار (الكتاب المقدس) بعهديه القديم والجديد في ذلك العصر، بل وبعد ذلك بمئات السنين؛ إذ لا يوجد معطى أثري ولا وثيقة تثبت هذا الأمر).
غير أن الأمر الذي لا خلاف حوله هو أن ترجمة عربية للتوراة بدأت تظهر للوجود حوالي القرن الثامن الميلادي في عصر المأمون على يد أحمد بن عبد الله بن سلام (ما بين القرنين 8 و9م). وقام حنين بن إسحاق (800 - 873م) بترجمة كاملة لأسفار العهد القديم ولكن اعتمادا على النسخة اليونانية المعروفة بالسبعينية. وترجم يهودا بن إسحاق بن غياث سفر الجامعة إلى العربية.
ومن الترجمات المشهورة لأسفار (العهد القديم) تلك التي قام بها سعيد بن يوسف الفيومي (882 - 942) (16). إن هذه الترجمة كانت -باعتراف أبي الحسن المسعودي- هي المفضلة لدى كثير من اليهود. (لم يكن سعيد بن يوسف الفيومي أول من فسر التوراة بالعربية، إلا أنه كان أول من كتب تفاسير ووضع شروحا منهجية ومفصلة لأجزاء كبيرة من التوراة) (اليعيزر شلوسبيرج، 1994: 93).
وأنجز بدوره أبو علي الحسن بن علي البصري أو يافث بن علي في النصف الثاني من القرن العاشر -وهو من أشهر القرائين- ترجمة لأسفار العهد القديم، مذيلة بتفسير مطول لها. وهذا العمل حرره يافث بن علي على غرار أغلب القرائين باللغة العربية لغة وخطا.
وتُنسب إلى يشوع بن يهودا المكنى بالشيخ أبي فرج فرقان بن أسد ترجمة عربية للتوراة فقط. وقد أُلفت في تقدير مانك ما بين 930 و950م ( M.S.Munk, 1850: 13).
وعلاوة على ترجمة سعيد بن يوسف الفيومي الذائعة الصيت فإن ترجمتي يافث بن علي ويشوع بن يهود كانتا رائجتين في الأندلس نظرا لوجود مؤيدين للقرائين هناك (17). كما أن إبراهام بن عزرا في تفسيره للتوراة كان يحيل عليهما (نفس المرجع: 10).
¥