أما إشارات ابن حزم للأسفار التي رجع إليها واقتبس منها فعديدة نذكر منها: في آخر السفر الأول (20)، أول السفر الرابع (21)، في السفر الخامس من أسفار التوراة الذي يسمونه التكرار (22)، وذكر في كتاب لهم معظم عندهم اسمه سفطيم (23)، أما كتاب يوشع (24)، في كتاب حزقيا (25)، كتاب وبراهياميم وفي نسخة أخرى وهر هياميم (26)، أما الكتب التي يضيفونها إلى سليمان -عليه السلام- فهي ثلاثة: واحدها يسمى شار هشير (27) ثم معناه شعر الأشعار، والثاني يسمى مثلا (28) معناه الأمثال، والثالث يسمى فوهلت (29) معناه الجوامع، وفي ذلك الذي يسمونه الزبور (30)، ففي المزمور الأول منه، في المزمور الرابع والأربعين، في المزمور الوفي مائة وسبع. وفي كتاب لهم آخر معظم عندهم أيضا اسمه ملاخيم (31)، روث العمونية التي لها كتاب مفرد من كتب النبوة (32).
ويشير ابن حزم كذلك إلى التلمود: ومن طرائفهم قولهم في كتاب لهم يعرف بشعر توما (33) من كتاب التلمود، وقالوا في كتاب لهم من التلمود وهو فقههم يسمى سادر نشيم ومعناه حيض النساء (34)، هذا سوى ما في توراتهم من شرائعهم التي يلزمونها الآن كالقرابين وكمن مس نجسا، ومن عجائبهم قولهم في نقل أحبارهم الذي هو عندهم بمنزلة ما قال الأنبياء. كما قرأ ابن حزم -كما أشار إلى ذلك هو نفسه- لرجل منهم يسمى يوسف بن هارون وهو على حسب تعبيره من كبرائهم وأئمتهم (35).
منهج ابن حزم في نقد التوراة
لم يحتكم ابن حزم في نقده للتوراة وباقي أسفار العهد القديم على النصوص المدونة باللغة العبرية. ومع ذلك لم يجد أية غضاضة في أن يتعامل مع هذه النصوص المترجمة إلى اللغة العربية وكأنها نصوص أصلية. ومن هنا كان إلحاحه على ضرورة الالتزام بما يُفهم من ظاهر اللفظ وترك التأويلات. يقول ابن حزم: (ولو كان لهذا الخبر وجه وإن غمض ومخرج وإن بعد أو أمكنت فيه حيلة أو ساغ فيه تأويل ما ذكرناه) (ابن حزم: 144).
(وقد قلنا: إن كل ما يمكن تخريجه بوجه وإن بعد فلسنا نخرجه في فضائح كتابهم المكذوب) (ابن حزم: 151).
ولا حاجة للتأكيد بأن نظرة ابن حزم إلى النصوص مستوحاة من المذهب الظاهري. إن ابن حزم -كما ذهب إلى ذلك محمود علي حمايه- (1983: 178) لم يكن ظاهري المذهب في أمور الفقه ومسائل التشريع فحسب .. وعندما نتأمل في نقده لنصوص الكتاب المقدس التي عرض لها في كتابه الفصل نجد النزعة الظاهرية تترك بصماتها في دراسته لهذه النصوص، مما يدل على أنه اصطنع المنهج الظاهري، أيضا وهو يناقش النصارى واليهود .. ).
والحقيقة أن ظاهرية ابن حزم تجلت في مناقشته للتصور التي تحمله التوراة عن الله والملائكة والأنبياء. ويمكن تصنيف مناقشاته لهذا التصور في باب نقد النصوص التي بها قذف في حق الأنبياء أو تجديف في حق الله أو تشبيه الخالق بمخلوقاته أو ما شابه ذلك (36).
ويظهر منهج ابن حزم في نقد التوراة والأسفار الأخرى فيما يلي:
الشك في صحة نسبة التوراة إلى النبي موسى
يُعد ابن حزم من الأوائل الذين شكوا في صحة نسبة التوراة إلى موسى. هذا مع العلم أن هذا التشكيك كان يُنظر إليه في اليهودية -كما هو الحال في المسيحية- هرطقة تستوجب الحد. وقد ساق جملة من الأدلة للبرهنة على ذلك:
أولاً: الاختلاف بين التوراة العبرانية والتوراة السامرية (37): (أول ذلك أن بأيدي السامرية توراة غير التوراة التي بأيدي سائر اليهود يزعمون أنها المنزلة ويقطعون أن التي بأيدي اليهود محرفة) (ابن حزم: 117).
(هم الذين ينكرون التوراة جملة وعندهم توراة أخرى غير هذه التي عند اليهود ... فأمر توراة أولئك أضعف من توراة هؤلاء؛ لأنهم لا يرجعون فيها إلى نبي أصلا ولا كانوا هنالك أيام دولة بني إسرائيل وإنما عملها لهم رؤساؤهم أيضا) (ابن حزم: 195).
ثانياً: الاختلاف بين التوراة العبرانية والسبعينية (38).
(فإن في التوراة التي ترجمها السبعون شيخا لبطليموس الملك بعد ظهور التوراة وفشوها هي مخالفة للتي كتبها لهم عزرا الوراق) (ابن حزم: 198).
¥