تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بعضهم قصوره من الرقيق حتى غصت بهم، وهذا كله مظهر من مظاهر الفساد والتحلل الذى ازداد انتشارا مع الزمن يعطيك فكرة عما وقع من انحراف عن الإسلام وإهمال لأوامره ونواهيه فى المجالات الأخرى. فإذا أضفنا إلى ذلك أن الحكام فى ذلك الوقت كانوا يتصرفون فى أموال الدولة كأنها أموالهم هم لا أحد يراجعهم فى شىء، بل لا يخطر لأحد أن يراجعهم فى شىء، تبين لنا إلى أى مدى كان الانحراف شديدا.

ثم لا ننس الخلافات التى لا بد أن تنشأ بين القبائل والقوميات والأجناس والأديان والمذاهب المختلفة التى تعيش داخل الدولة، أىّ دولة. وكان فى دولة الإسلام العدنانى والقحطانى، وكان فى دولة الإسلام العلوى والأموى والعباسى، وكان فى دولة الإسلام العربى والفارسى والهندى والسندى والشامى والعراقى والمصرى والبربرى والأندلسى والتركى والألبانى والبوشناقى والزنجى، وكان فى دولة الإسلام السنى والشيعى والخارجى والصوفى والمعتزلى والظاهرى، وكان فى دولة الإسلام المسلم والنصرانى والمجوسى واليهودى والزرادشتى والصابئى. ولا بد أن يكون لكل ذلك أثره فى الخلافات والصراعات السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية التى قد تقف عند حدود الأفكار والكتابة، وقد تشتد فيكون التمرد والحرب. ثم لا ننس كيف تداول على كرسى الحكم العرب والفرس والترك والمماليك الأوربيون والبربر، وبعض هؤلاء تَسَمَّوْا باسم الخلفاء، وبعضهم اكتفَوْا بتبعيتهم الحقيقية أو الاسمية للخليفة فى بغداد أو فى القاهرة أو فى أسطنبول رغم أن سلطة الولاية أو الدولة الفرعية من الناحية السياسية والعسكرية والثقافية كانت تفوق فى بعض الأحيان سلطة الدولة الرئيسية التى تتبعها.

وعلى كل حال لم يشهد التاريخ أمة سادت وظلت سيدة طول الدهر. هذا لم يحدث، ولا أظنه سيحدث، وإن ظهر بين الغربيين فى عصرنا هذا من المدَّعِين الناعقين من يروّج لخرافة "نهاية التاريخ" زاعما أن التاريخ قد انتهى إلى الوضع الذى يتحكم الغرب فى مجرى أحداثه الآن، وأنه لن تقوم إلى جانبه أية قوة أخرى تنافسه، وأن الدنيا سوف تتخذ هذا الوضع إلى أبد الآباد. وهم يقولون هذا فى الوقت الذى تعانى فيه أمريكا زعيمة الغرب المتاعب العسكرية والاقتصادية، وفى الوقت الذى تنغمس فيه أقدامها فى وحل أفغانستان والعراق وغيرهما من الجبهات الحربية التى ظنت أنها سوف تكتسحها فى غمضة عين لتنطلق منها إلى بقية أرجاء المنطقة محتلة للبلاد مستنزفة لثروات الشعوب ومذلة للجميع. ولو أن المسلمين الآن انتهزوا هذه الفرصة التاريخية ولملموا صفوفهم وأعادوا تقدير قوتهم وعزموا على أن يعيشوا أعزة كراما أمجادا مستعينين بعزيمتهم وإيمانهم وما حباهم الله به من ثروات وإمكانات تدير الدماغ ما صَعُبَ عليهم ذلك. إلا أن المشكلة هى نقصان ثقتهم بأنفسهم: نقصان ثقة الشعوب بأنفسها تجاه الحكام، ونقصان ثقة الحكام بأنفسهم تجاه الدول الكبرى، وعلى رأسها أمريكا. والحياة لا تلقى بالا للمتهافتين الخانعين الخائرين المرتعبين من الخيالات والأشباح الذين لا يثقون فى قدراتهم ولا يفكرون فى بذل التضحيات المطلوبة أو فى القيام بالإصلاحات المحتومة، وليس عندهم يقين ولا أمل فى الفوز، بل تتركهم لمصيرهم دون أن تذرف عليهم دمعة.

وهناك مقال قرأته مؤخرا للأستاذ عامر عبد المنعم فى موقع "العرب نيوز" بعنوان "أمريكا ماتت، فلا تكونوا كجِنّ سليمان" يصور هذا الوضع الشاذ. والمقصود أن المسلمين يتصورون أن أمريكا لا تزال قوية باطشة رغم ما هى مرتكسة فيه من أزمات اقتصادية وسياسية وعسكرية، ولهذا لا يفكرون أبدا فى الثورة عليها، فهم فى هذا الخوف مثل جن سليمان، الذين كانوا خاضعين لسليمان مرتعبين منه، وظلوا يخدمونه بكل طاقتهم حتى بعد موته ظنا منهم أنه لا يزال حيا، إذ كانوا كلما نظروا إليه وجدوه مستندا على صولجان الملك، فيحسبونه فى غفوة عارضة، إلى أن أكلت الأَرَضَةُ عصاه من أسفلها فانهارت وخرّ هو بدوره إلى الأرض. وحينئذ فقط تبين لهم أنه قد مات! يريد الكاتب أن يقول لأمته إن أمريكا قد انهارت، وإن كان انهيارها غير ظاهر للعين العَجْلَى، فاهْتَبِلوا هذه الفرصة السانحة وثوروا على عبوديتكم لها، واستردوا كرامتكم وعزتكم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير