تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومما ينبغى أن يُذْكَر فى هذا المجال كثرة الصراعات الداخلية والخارجية التى كان على الدولة الإسلامية أن تخوض غمارها. وقد نشبت هذه الصراعات منذ اليوم الأول لظهور الإسلام، إذ انقلب على الرسول عليه الصلاة والسلام أهل مكة بعدما كانوا يلقبونه بـ"الأمين"، فكذبوه وآذَوْه وحاولوا قتله لولا لطف الله به. ولما هاجر إلى المدينة اصطدم باليهود والمنافقين، كما اصطدم بالمشركين فى غزواتٍ ذات عدد، وبالروم على الحدود الشمالية مرتين. وعقب وفاته صلى الله عليه وسلم ثارت حروب الردة بين جيوش الإسلام والقبائل التى ظهر فيها بعض المتنبئين الكَذَبَة وانتهت بالقضاء على ذلك التمرد اللعين وعادت الأمور إلى نصابها الصحيح، لتبدأ صراعات أكبر وأخطر وأوسع مدى بين المسلمين وبين الروم والفرس انتهت كلها بانتصار مؤزر للإسلام حتى بات المسلمون يؤمنون إيمانا جازما أن نصر الله فى ركابهم دائما، فكانوا لا يفشلون أبدا فى معركة أو حرب إلا على سبيل الندرة الشاذة، ثم سرعان ما يعودون مرة أخرى أكثر ثقة وأقدر على الاقتحام. ومع هذا فما أسرع ما رأينا الفتنة تطل برأسها فى عهد ذى النورين رضى الله عنه وتنتهى بمقتله الفاجع رغم أنه لم يشأ قط أن يؤذى مهاجميه ومثيرى الفتنة ضده. ثم يأتى بعد ذلك الخلاف بين على ومعاوية، وهو الخلاف الذى لم يحسمه لمصلحة معاوية إلا أن الأقدار قد كتبت على ختن الرسول أن يُغْتَال على يد خارجى مندفع لا يعرف التبصر. وتستقر الأمور لمعاوية، الذى يؤسس الأسرة الأموية محولا الحكومة الإسلامية إلى حكومة كسروية وراثية، وهو ما تابعه عليه العباسيون فالفاطميون ثم الأيوبيون. وكانت الأمور فى الأندلس لا تختلف عنها فى الشرق، إلى أن ترك الإسلام تلك البلاد بعدما بقيت رايته مرفوعة هناك ثمانية قرون. ثم جاء المماليك ليصير السلطان عسكريا، وأخذ المماليك يتناوبون الحكم بقوة الذراع، وإن كنا لا نغمطهم فضلهم فى حفاظهم رغم كل شىء على قوة الإسلام فى وجه المغول والصليبيين. ثم ظهر العثمانيون وأخذوا الحكم منهم وجعلوا بعضهم ولاة ينوبون عنهم فى إدارة الشؤون الداخلية للبلاد التى كانوا يحكمونها قبلا. وعلى يد العثمانيين دخل الإسلام شرق أوربا، فكان فى هذا بعض تعويض عما وقع له من استئصال فى غرب القارة العجوز على يد الأسبان. وخاضت الدولة العثمانية حروبا مع القوى الغربية وتعرضت للمؤمرات التى لم يكن يهدأ لها أُوَار من جانب تلك القوى حتى خرت الخلافة الإسلامية صريعة فى أواخر الربع الأول من القرن العشرين، واختفت من الوجود، وتجزأت الأقطار الإسلامية وأصبحت كالعِقْد قد تمزق سِلْكه فصارت كل حبة من حباته فى ناحية لا يمسكها بأخواتها شىء، فلم تعد لها قيمة.

وعلى مدار التايخ الإسلامى أيضا كانت هناك انقسامات وتمردات داخل الدولة كتمرد الخوارج وبابك الخُرَّمىّ والمقنَّع الخراسانى والبشموريين والزَّنْج والقَرَامِطَة والحشّاشين، فضلا عن الصراع بين حكام الطوائف فى الأندلس، الذين كانوا بوجه عام يفضلون التعاون مع ملوك النصارى على التضافر مع أبناء دينهم من الحكام أمثالهم، بله الاتحاد فى دولة واحدة تستطيع الوقوف ضد نصارى الأسبان، وهو ما كان كفيلا، لو تم، أن يُبْقِىَ الأندلسَ إسلامية، مَثَلُها مَثَلُ بقية البلاد التى اعتنقت الإسلام ثم لم تخرج منه قط. وقد سهّل صراعُ أمراء الطوائف إلى حد كبير حركةَ الاسترداد النصرانى فى الأندلس. وهناك فى العصر الحديث الصراع بين محمد على والمماليك الذى انتهى بمذبحتهم فى القلعة وتخلُّصه منهم تماما، وكذلك الحروب بينه وبين الوهابيين لحساب السلطان العثمانى، ثم بينه وبين الدولة العثمانية. وكل هذا من شأنه أن يفتّ فى عضد الدول مهما تكن قوتها وقدرتها على الاحتمال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير