تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

النظام الذى يجرى عليه الكون الآن لا بد من هدمه واستبدال نظام آخر به عند مجىء يوم القيامه كان لها ما رأت، ووَقَفَ العمل بهذا النظام، وبدأ نظام آخر يقوم على قوانين أخرى غير التى نعرف فى دنيانا هذه، قوانين ليس فيها مثلا، بالنسبة لأهل الجنة، مكان للموت ولا للمرض أو الملل أو الخوف أو العفن أو النتن أو الحاجة إلى الإخراج ... إلخ، وهو ما أشارت إليه الآيات القرآنية وفصّلته أحايث النبى عليه الصلاة والسلام.

وهذا شىء يختلف تمام الاختلاف عن الخرافات التى كان المسلمون يؤمنون بها إيمانا وثيقا فى عصور تخلفهم والتى بسببها جاء اتهام الأوربيين ظلما لديننا بالجمود، إذ رَمَوُا الإسلام بما وجدوه فى المسلمين فى عصور ضعفهم وجهلهم وركونهم إلى الأوهام وتنكبهم لسبيل العلم رغم امتلاء القرآن المجيد والحديث الكريم بالحض على العلم والاستزادة منه وتفضيل العلماء حتى على العُبَّاد تفضيلا كبيرا، بالإضافة إلى إلحاحهما على وجوب استعمال العقل فى كل شىء بما فيه التحقق من صحة نبوة النبى عليه السلام. ولهذا تكثر فى القرآن عبارات مثل: "أفلا يتدبرون؟ "، "إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون"، "إن فى لك لآيات لقوم يعقلون". كما نجد القرآن يحمل حملة شعواء على المشركين لأنهم يوقفون عقولهم عن العمل كأنهم حيوانات عجماء لا عقل لديها ولا بصر ولا سمع. وعندما أراد النبى أن يعلن دعوته بعد استتارٍ جَمَع قومه وسألهم، وقد وقف فوق مرتفع فى مواجهتهم، قائلا لهم: "أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسَفْح هذا الجبل أكنتم مُصَدِّقِىَّ؟ ". يقصد أن يلزمهم الحجة فى إيمانهم بصدقه واطمئنانهم إلى أنه لا يعرف التدليس ولا الالتواء فى القول. فلما لزمتهم الحجة بردهم عليه بأنهم لا يكذّبونه فى شىء، أعلن لهم أنه نبى من الله، فإذا بهم ينقلبون على أعقابهم فى التو واللحظة وينالون منه نيلا سخيفا.

والآن، وقد ألممنا ببعض الأسباب المسؤولة عن انهيار الحضارة الإسلامية نتساءل: كيف السبيل إلى الخروج من هذا التخلف؟ لقد حاول بعض الفلاسفة أن يتوصلوا إلى السر الذى على أساسه تنهض الأمم من سباتها الحضارى وتستعيد عافيتها ونشاطها. فإلى أى مدى تصدق تحليلاتهم؟ وهل نستطيع بدورنا أن نصل إلى شىء ناجع يمكننا الاستعانة به فى الحالة الراهنة لأمة الإسلام؟ ثَمَّ سؤال شديد الأهمية وقوى الصلة بموضوعنا هنا طرحه محرر مادة "الحضارة" بـ"الموسوعة العربية العالمية"، وهو: "لماذا تقوم الحضارات وتنهار؟ "، محاولا أن يجيب عليه فقال: "أبدى الفلاسفة والمؤرخون وعلماء الآثار القديمة أسبابًا كثيرة لقيام الحضارات وانهيارها. وقد شبَّه جورج و. ف. هيجل الفيلسوف الألماني في أوائل القرن التاسع عشر المجتمعات بالأفراد الذين ينقلون شعلة الحضارة من واحد إلى الآخر. وفي رأي هيجل أنه خلال هذه العملية تنمو الحضارات في ثلاث مراحل: 1 - حُكْم الفرد. 2 - حُكْم طبقة من المجتمع. 3 - حُكْم كل الناس. وكان هيجل يعتقد أن هذا النسق تُسْفِر عنه الحرية فى آخر الأمر لجميع الناس. وكان الفيلسوف الألماني أوزوالد سبنجلر يعتقد أن الحضارات، مَثَلُها مَثَلُ الكائنات الحية، تُولَد وتنضج وتزدهر ثم تموت. وفي كتابه: "انحدار الغرب" (1918 - 1922م) ذكر أن الحضارة الغربية تموت، وسوف تحل محلها حضارة آسيوية جديدة. وعرض المؤرخ البريطاني آرنولد تُويِنْبِي نظريته عن "التحدي والاستجابة" في كتابه: "دراسة التاريخ" (1934 - 1961م). وكان توينبي يعتقد أن الحضارات تقوم فقط حيث تتحدى البيئة الناس، وحينما يكون الناس على استعداد للاستجابة للتحدي. وعلى سبيل المثال فإن الجو الحار الجاف يجعل الأرض غير مناسبة للزراعة، ويمثل تحديًا للناس الذين يعيشون هناك. ويمكن أن يستجيب الناس لهذا التحدي ببناء أنظمة ري لتحسين الأرض. ورأى توينبي أن الحضارات تنهار حينما يفقد الناس قدرتهم على الابتكار. ويذهب معظم علماء الآثار القديمة إلى أن بزوغ الحضارات يرجع إلى مجموعة من الأسباب تشمل البناء السياسي والاجتماعي للحياة والطريقة التي يكيف بها الناس البيئة المحيطة بهم والتغيرات التي تطرأ على السكان. وفي كثير من الحالات يمكن أن تظهر الحضارات لأن رؤساء القبائل المحليين اتخذوا خطوات متعمَّدة لتقوية نفوذهم السياسي. ويعتقد كثير من العلماء أن سوء استخدام الأرض والمصادر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير