تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تلفظ أنفاسهاالأخيرة، إذ كانت ترقد صريعة الأفيون القاتل الذى أغراها به البريطانيون حتى أدمنته إدمانا، فلم يعد يجرؤ متجرئ أن يلمس لها طَرَفا أو يستطيل عليها أو يهددها مجرد تهديد، فى الوقت الذى لا نبرح نحن مكاننا فنظل نراوح خطواتنا، بل نتراجع للأسف إلى الوراء فى كثير من الأحيان؟ بل إننا حتى فى ميدان الرياضة لا نستطيع أن نحرز كأس العالم فى أية لعبة ولو مرة واحدة برغم ما ينفق فى هذا المجال من أموال طائلة وما يَلْقَاه اللاعبون من تشجيع وتدليل لم يكن أحد منهم يحلم به ولا فى المنام.

وسيقول تُويِنْبِى إن الحضارة تقوم حين يكون ثَمَّ تحدٍّ تتصدى له الأمة وتفلح فى اجتيازه وهَزْمه. وللمرة الثالثة نقول إننا لانستطيع أن نمارى أو نشارى فى هذا، ولكن السؤال دائما هو: لماذا، ونحن نواجه، منذ زمن طويل، تحديات هائلة من التخلف والفقر والجهل والمرض والاستعمار والاستبداد والهوان الحضارى لا نستطيع التصدى الحقيقى لهذه التحديات؟ اللهم إلا إذا كان التصدى خطبا حماسية وشعارات صاخبة وأناشيد دِعائية تُصِمّ الآذان وتطمس العقول بضجيجها وكلامها المفرط فى المغالاة ورقصا وطبلا وزمرا، فقل عندئذ إننا صمدنا فأحسنّا التصدى، ولم تقف فى طريقنا عقبة من العِقَاب، أو تَقُمْ لنا صعوبة من الصعوبات دون أن نسقحها سحقا.

ومن هنا أرانى أميل إلى لدكتور حسين مؤنس فى تأكيده أنه "لا يوجد علم يسمى: "فلسفة التاريخ"، وإنما هناك محاولات من جانب نفر من الفلاسفة والمؤرخين وعلماء البشر والاجتماعيين لفهم القوى المسيِّرة للتاريخ أو للعثور على قواعد تحكم مسير الحوادث أو لمعرفة أسباب قيام الحضارات وتدهورها وما إلى ذلك. وكلها محاولات لم تصل إحداها إلى وضع قواعد أو قوانين أو حتى خطوط عريضة تعين على إدراك ما وراء الحوادث أو تساعد على تعريفنا بالطريق الصحيح الذى ينبغى على البشر أن يسيروا فيه ليصلوا إلى بناء مجتمع إنسانى أكثر أمنا واستقرارا، وأقدر على توفير أسباب الرخاء وما يسمى بـ"السعادة" للبشر. حتى كلام هيجل فى فلسفة التاريخ ما هو إلا تأملات عاشت حية فى أذهان الناس أيامه وشغلت الأذهان بعدها، حتى جاء كارل ماركس فزعم أنه حطمها، وسخر من قول هيجل: "عندى ينتهى التاريخ"، وقال إن التاريخ الحقيقى للبشر لم يبدأ بعد لكى يقال إنه انتهى. وبدايته عنده هى انتقال القوة الموجِّهة للتاريخ من أيدى مغتصبيها من السياسيين والرأسماليين، بحسب رأيه، إلى أيدى العمال، الذين يصنعون التاريخ بأيديهم وثمرة أعمالهم. وهذه أيضا قضية فيها من المغالطة شىء كثير. وإذن فليس هناك على الحقيقة علم يسمى: "فلسفة التاريخ"، ولا أعرف مؤرخا، مهما عظم، يستطيع أن يقول إنه يدرس مادة بهذا المعنى. وكل ما يزعمه بعض الناس فى هذا المجال إنما هى تصوراتٌ وأمانىّ. ومن هنا فلا نعجب من أن تُويِنْبِى، وهو أكبر من حاول فلسفة التاريخ فى عصرنا، لم يقل قَطُّ إنه فيلسوف تاريخ. وأحسن ما قيل فيه إنه شاعر" (د. حسين مؤنس/ الحضارة- دراسة فى أصول وعوامل قيامها وتطورها/ 8).

لقد بدأ ما يسمى لدينا بـ"النهضة الحديثة" منذ أكثر من قرنين، لكننا لم نبلغ شيئا ذا قيمة مما نتطلع إليه، إذ كنا وما زلنا نتطلع، أو نقول إننا نتطلع، إلى الاستقلال وإحراز القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والأخلاقية والنفسية، فماذا حققنا من هذا؟ لا شىء تقريبا. صحيح أن لدينا مثلا مؤسسات تعليمية، ولكن التعليم فيها ضعيف، وعندنا الجيوش، ولكنها لا تحرز انتصارا عادةً، وفى أيدينا البترول فى دول الخليج وغير دول الخليج، وعندنا قناة السويس فى مصر، وعندنا الأرض الزراعية الشاسعة فى السودان، وبإمكانها توفير الغذاء للعالم العربى طبقا لما يقول الاقتصاديون، ولكننا نفتقد العزة، وما زال الفقر يُنِيخ بكلكله على بلاد المسلمين بوجه عام. كما استوردنا أشكال المؤسسات الديمقراطية، لكن الاستبداد يجثم على أنفاس الشعوب دون أى فرق بين جمهورية وملكية حتى صارت الشعوب فى الأنظمة الجمهورية أيضا تُورَث جهارا نهارا، فى حين لا تبالى الشعوب ولا تحاول أن تتخلص من هذه الأوضاع المزرية بالكرامة الإنسانية، بل تبدو وكأنها تباركها وتستزيدها بما يوهم أن حياتها قد بلغت أعلى مستويات الرفاهية والكرامة والمجد. وقل فى باقى المؤسسات والأوضاع ما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير