تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

1910م ألقى محاضرة وهو فى السنة الثالثة بمدرسة القضاء الشرعى بمناسبة رأس السنة الهجرية، فأكد أن أكبر سبب لانحطاط المسلمين، فى الماضى كما هو فى الحاضر، يعود إلى الحكام ورجال الدين، إذ الحكام بأيديهم زمام الشعوب، وقد قال الله تعالى: "ربَّنا، أَطَعْنا سادتنا وكبراءنا فأَضَلُّونا السبيلا"، وقال: "وإذا أردنا أن نُهْلِك قرية أَمَرْنا مترفيها ففسقوا فيها فحَقَّ عليها القولُ فدمَّرناها تدميرا". وشخّص أحمد أمين الداء فى أمرين: تنازع الحكام على السلطة، وإمعانهم فى شهواتهم ولهوهم وجباية الأموال بالعسف والبطش والمصادرة والقتل. وأنا معه فى كلامه عن فساد الحكام ورجال الدين: معظمهم طبعا وليسوا كلهم، لكنى لست معه فى تحميل الحكام ورجال الدين القسط الأكبر من المسؤولية عن ذلك حسبما وضحتُ آنفا.

كما أن الحكام لم يَتَدَهْدَوْا إلى العسف والبطش واستباحة دماء المخالفين إلا حين وجدوا الشعوب تخنع لهم ولا تتمرد على جبروتهم فاسْتَحْلَوْا ذلك العسف وهذا الجبروت. والنفس البشرية كالإعصار تجتاح ما تجده أمامها ما دامت تستطيع اجتياحه. فإذا لم يجد الحاكم الباطش من الشعب الذى يحكمه قوة تحجزه عن الهبوب الجامح والتحطيم المبيد انطلق فى عنفوانه يقلع ويخلع ويحطم ويدمر ويستولى ويبطش، وما من محاسب أو مُسَائل. ولو كانت الشعوب متنبهة إلى حقوقها فى محاسبة حكامها وتقويمهم إذا ما انحرفوا واجتهدتْ فى وضع نظام لتبادل السلطة يقيها شرور التنافس الشرير المبير بين الطامعين فيها وحَرَصَتْ على تطبيق ذلك مهما كانت التضحيات والمتاعب لَوَضَعها الحكام فى اعتبارهم ولم يهملوها ويستهينوا بها كما هو الحال فى بلاد المسلمين منذ قرون طوال. ثم إن قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا" (الأحزاب/ 64 - 68)، وهو ما اقتطع منه الأستاذ الدكتور الآية الأولى التى استشهد بها فى خطبته، يدل على أن العذاب فى النص الكريم قد وقع على هؤلاء الذين يشكون من كبرائهم وساداتهم. وإذا كان هؤلاء قد دَعَوْا على السادة والكبراء أن يعذبهم الله ضِعْفَيْن فقد وضح القرآن فى آية أخرى أن لكل من الفريقين: السادة الكبراء والرعية الحقراء ضِعْفَيْن متماثلين، وإن كانوا لا يعلمون هم ذلك لانطماس بصيرتهم وتصورهم أنهم مُعْفَوْن من العُهْدة غير دارين أن العهدة عليهم أعظم وأشدّ لأنهم فرّطوا فى حقوقهم وكرامتهم: "قال: لكلٍّ ضِعْفٌ، ولكنْ لا تعلمون" (الأعراف/ 38). كذلك نسمع القرآن فى موضع ثالث يصور لنا حالة الفريقين فى النار يوم القيامة إذ يتجادلون فى نصيب كل منهما فى المسؤولية: "وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ" (البقرة/ 165 - 167)، "وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ" (المؤمن/ 47 - 48).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير