تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والحقيقة أن من أخطر الرسائل التي تبادلها التغريبيون حول العلاقة بالأجنبي رسالة نشرها الأستاذ جمال خاشقجي قبل عدة سنوات، حيث شعر خاشقجي أن أصحابه التغريبيين مندفعون في الاستقواء بأمريكا لفرض الأجندة الليبرالية على السعودية، ولما ذهب خاشقجي لأمريكا والتقى بعدة مسؤولين وناقشهم عن مدى جديتهم في التدخل للتغيير؛ اكتشف أن الأمريكان لديهم موازنات ويرون من الخطورة التدخل المباشر، فكتب خاشقجي هذه الرسالة الصريحة لزملائه التغريبيين، ونشرها علناً في صحيفة الوطن، وسأنقلها بطولها لأهميتها في شرح الخلاف في الداخل التغريبي حول الاستقواء بالأجنبي، ومدى الاندفاع في العمالة عند أكثر التغريبيين، يقول خاشقجي:

(السادة أعضاء حزب أمريكا في العالم العربي، أعرف أن ما منكم من أحد سيقر بالانتماء لهذا الحزب المنتشر من الخليج إلى المحيط، ولكنكم ستهتمون بقراءة خطابي هذا، فأنتم بيننا، نتبادل معكم الرأي في مجالسنا ومقاهينا المشغولة هذه الأيام بتلمس مخرج من أزمات تراكمت، ليس لي أن أشكك في وطنيتكم، بل أميل إلى الإيمان بصدق ولائكم من خلال بحثكم عن أمل ولو كان بالارتماء في حضن الشيطان الأكبر، ولكن لم تندفعوا لذلك إلا بعد أن غلقت دونكم الأبواب، وأنتم ترون عالمكم العربي وأمتكم يترديان سياسيا وحضاريا، وفوق ذلك خوف من فتاوى المتنطعين وسطوتهم، فتعلقتم وقد كتمتم عقيدتكم بحبل أمريكي، ولم يعد يهمكم إن قال قائلهم إن هذا حبل من الشيطان. أيها السادة، لقد جئتكم من أمريكا بخبر يقين، أن لا تتحمسوا كثيرا للوعد الأمريكي، وأن تحافظوا على كل أسباب الوطنية والانتماء، فلا تفقدوا الأمل في إصلاح حقيقي يبعث من داخلكم، فالأمريكيون غير مستعدين لتدخل حقيقي في المنطقة، وفي حالة من الارتباك والحيرة، فلا توجد لديهم خطط مفصلة لنشر ما بشروا به من ديمقراطية و ثقافة رخاء في عالمنا، إنهم متخوفون أن يؤدي تدخل سافر منهم إلى نتيجة عكسية لما يعلنون، ذلك أنهم لم يحسموا أمرهم فيما يفعلون مثلا مع القوى الإسلامية التي يعتقدون أنها ستكون المستفيد الأول من أي انفتاح ديمقراطي وممارسة انتخابية .. ، حضرت مؤخرا أكثر من لقاء في الولايات المتحدة وخارجها مع أمريكيين، خبراء في الشرق الأوسط، رسميين وأكاديميين متخصصين، أصدقاء ودون ذلك، فوجدت الأكاديميين متشككين في نوايا السياسيين في نشر الديمقراطية في العالم العربي، ومن لم يشك في النوايا غير مطمئن إلى القدرات، فيرد عليهم السياسيون أن الإدارة الأمريكية صادقة في مسعاها ويكادون أن يقسموا على ذلك لشعورهم بمقدار الشك الساخر من حولهم، ولكن عندما تسألهم عن التفاصيل، ومتى؟ وكيف؟ ولماذا؟ وماذا لو؟ يعتذرون عن الإجابة مستخدمين آلية " ليس كل ما يعلم يقال "، لذلك أيها السادة "أعضاء حزب أمريكا في العالم العربي" أدعوكم ألا تلقوا بكل ما في يدكم في السلة الأمريكية، ألا تحرقوا مراكبكم وتقفزوا في الظلام، وادعموا ما هو قائم من مشاريع الإصلاح في أوطانكم، وانخرطوا فيها معتمدين على قدراتكم الذاتية وفق طاقتكم، التي تحددونها أنتم، فما حك جلدك مثل ظفرك) [صحيفة الوطن، 10/ 2/2004].أخ

في تقديري الشخصي أن هذه الرسالة الخاشقجية هي "أخطر" رسالة من الداخل التغريبي نفسه تكشف صراع التغريبيين أنفسهم حول "خيار الاستقواء بالأجنبي"، وتلاحظ في هذه الرسالة الصريحة إحساس خاشقجي المتوتر بأن هناك اندفاع بين التغريبيين حيال الاستعانة بأمريكا لفرض التغريب، وخاشقجي يريد طمأنتهم وأنه يتفهم اندفاعهم بأنهم رأو الأبواب مغلقة عن التغيير التغريبي، ثم يخبرهم خاشقجي بأنه زار الأمريكان وتناقش معهم وأخبروه بأنهم لازالوا غير مقتنعين بفكرة التدخل المباشر، وأطرف ما في الموضوع أن خاشقجي يحاول أن يقنع أصحابه التغريبيين بالعدول عن هذا الاندفاع في الاستقواء بالخارج بحجة أن الأمريكان "غير جادين" في مساعدتكم بشكل مباشر، وهذه الحجة التي يعرضها خاشقجي تضمر أخطر مما تفصح، فهذا يعني -طبقاً لمنطق خاشقجي- أن الأمريكان لو كانوا جادين في التدخل المباشر فلا إشكال في الاستعانة بهم!

حسناً .. يبدو أن التفاصيل والاستطرادات الكثيرة السابقة قد تسهم في تبدد الصورة الكلية للموضوع، لذلك دعنا نحاول استخلاص المشهد من جديد:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير