ومن توابع ظاهرة (العمالة التغريبية) أنها تمنح تيار (غلاة التكفير والعنف) ذرائع لتعبئة الشباب المسلم ضد مجتمعه، وتصويره بأنه مجتمع فاسد، واستقطابه للأعمال المسلحة، وهذا ليس توقع، بل هذا واقع، فقد زرت وطالعت عدداً من مجلات ومواقع غلاة التكفير والعنف ولاحظت أنهم يحتجون بتصرفات التغريبيين على شرعية جرائمهم، وهذا لا يعني صحة احتجاج الغلاة، ولكن يعني وجوب قطع الطريق عليهم.
ومن أهم جرائم هؤلاء التغريبيين تشويههم لصورة أرض الحرمين وجزيرة الإسلام ومنطلق دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وتوظيف الإعلام الأجنبي لمقالاتهم لتعبئة الرأي العالمي ضد الواقع الشرعي في المجتمع السعودي.
ومن الكوارث التي صنعها هؤلاء التغريبيون أنهم حطموا (الإبداع الثقافي) في السعودية، فالشاب المتطلع للثقافة منذ أن ينتمي إليهم تجده تدريجياً يذبل عنده حس الإبداع، وينمو لديه حس التقليد والتبعية والهزيمة النفسية للأجنبي، ويتحول من عقل يفكر إلى يدين تصفق للغربي فقط، وهذه ليست ملاحظة من جهة الإسلاميين، بل هذه حالة لاحظها مفكرون خارج التيار الإسلامي، ومنهم المؤرخ العروبي المعروف فهمي جدعان، ففي ثنايا تأريخه للفكر العربي المعاصر رمى بملاحظة مليئة بالدهشة، حيث يقول:
(والذي يثير الاهتمام لدى الكتاب التغريبيين -من المصريين خاصة- هذا الانقياد الكامل العجيب للقيم الغربية، وهذا الغياب المطلق لكل روح نقدية بإزاء هذه القيم، فلقد اشتعلت رؤوسهم ذكاء ونقداً للمدنية العربية الإسلامية؛ بينما تقلص هذا الذكاء تقلصاً كاملاً بإزاء المدنية الغربية التي كانت تلاقي في عقر دارها في الفترة نفسها انتقادات لا ترحم) [جدعان، أسس التقدم عند مفكري الإسلام، ص 331، دار الشروق]
ويهمني هاهنا التأكيد على أنه يجب أن لا نبالغ في تقدير حجم الليبراليين والتغريبيين، فهم مجرد "شرذمة" تعاني أصلاً من نبذ اجتماعي، ولن يتم لهم بإذن الله ما يصبون إليه، وقد لاحظت أن التغريبيين والليبراليين يحرصون دوماً على إشاعة انطباعات عن سعة شريحتهم، بهدف كسر المقاومة النفسية لدى المتلقي، وهذا كله تزييف، بل إنني أتوقع لهؤلاء التغريبيين أو الليبراليين (نكبة سياسية) قريبة بسبب اندفاعهم في الاستقواء بالأجنبي وافتضاح عمالتهم لقوى خارجية مشبوهة.
ومن الأمور اللافتة أن التغريبيين يفرحون بوقوع أعمال عنف في السعودية، لأنهم يجدونها فرصة للتأليب على الواقع الشرعي في السعودية، والحقيقة أن هذا أسلوب فاشل، فالناس جميعاً يعرفون أنه لم يقطع فتنة غلاة التكفير والعنف إلا العلماء والدعاة، وليست الصحافة الليبرالية، فعلماء ودعاة أهل السنة هم الذين بينوا ودللوا ونصحوا في دروسهم وخطبهم وفتاواهم عن انحراف غلاة التكفير، وأن أفعالهم تدخل في مفهوم (الفساد في الأرض) الذي ذكره القرآن في بضعة مواضع، بل العلماء والدعاة وقع عليهم من أذى هؤلاء الغلاة أضعاف ما وقع على المجتمع، فأتذكر قبل عدة سنوات أنني تناقشت مع أحد هؤلاء الغلاة، فزودني برابطين، أحدهما عن ابن باز والآخر عن سفر الحوالي، وفيهما من تضليل الشيخين والاستهتار بهما والتلويح بتكفيرهما ما لا تطيقه أقوى النفوس، ولم أكن أتوقع حينذاك أنهم وصلوا إلى هذا المستوى، ولذلك كانت دهشتي عالية، وقلت في نفسي إذا كان هذا قولهم عن الشيخ ابن باز والحوالي فما هو قولهم عن غيرهما؟!
وأما أنجع وسيلة لمقاومة هذه الظاهرة التغريبية فهي بكل اختصار (القرآن)، فهؤلاء التغريبيين حتى لو كان معهم سفارات وقنصليات وبرلمانات غربية، فنحن معنا (القرآن)، والقرآن أقوى من هؤلاء ومن وراءهم، ولذلك قال تعالى لنبيه (وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) [الفرقان، 52] وقد نقل أهل التفسير عن ابن عباس أنه قال أي جاهدهم بالقرآن.
وأمر الله أن تكون النذارة بهذا القرآن فقال تعالى:
(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ) [الأنعام، 19]
وأمر الله أن يكون التذكير بالقرآن فقال تعالى:
(فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) [ق،45]
ولما أرسل الله موسى إلى فرعون وذكر موسى لربه بطش فرعون وجبروته قال له ربه جل وعلا (قَالَ كَلا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) [الشعراء، 15].
¥