في مسألة " قطعَ اللهُ يدَ ورجلَ مَنْ قَالَهَا "
ـ[حرف]ــــــــ[12 - 03 - 2010, 01:19 م]ـ
مسألة " قطعَ اللهُ يدَ ورجلَ مَنْ قَالَهَا "
يجري في الاستعمال الحديث عباراتٌ كثيرةٌ ظاهرها الفصل بين المضاف والمضاف إليه كقولهم: (حضر الاجتماعَ مديرُ و وكيلُ الجامعةِ) وذهب بعضُ المهتمِّين بالتصحيح اللغوي إلى تخطِئة مثلِ هذا الأسلوب؛ وحُجَّتهم في ذلك أنَّ المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد فلا يجوز الفصل بينهما، ويرون أن الصواب في ذلك أنْ نقول: (حضرَ الاجتماعَ مديرُ الجامعةِ ووكيلُهَا).
وهذه مسألةٌ قديمةٌ اختلفَ فيها أهل اللُّغة؛ فمنهم مَنْ أجازها على إطلاقها، ومنهم مَنْ أجازها بشروطها، ومنهم مَنْ منعها وعدَّ ما جاء منها قبيحًا وشاذًّا، أو خاصًّا بالشعر، ومردُّ اختلافهم هذا إلى اختلافهم في توجيهِ ما وردَ عن العرب في ذلك.
ومِمَّا سُمع عن العرب في ذلك، قولهم: " قطعَ اللهُ يدَ ورِجْلَ مَنْ قَالَهَا " (1)، وقولهم:: خُذْ رُبْعَ أو نِصْفَ مَا حَصَلَ " (2)، وقولهم: " هُوَ خيرُ وأفضلُ مَنْ ثَمَّ " (3)، وقول الشَّاعر:
إلاَّ عُلالةَ أو بُداهةَ قارِحٍ نَهْدِ الجِزَارة (4)
وقول الآخر:
يَا مَنْ رَأَى عَارِضًا أُسَرُّ بهِ
بَيْنَ ذِرَاعي وجَبهَةِ الأسدِ (5)
وسأذكر ما ورد عن العلماء مِنْ أقوالٍ في هذه الشواهد والأمثلة وما شاكَلها. فأقول مستعينًا بالله:
أولاً: أقوال العلماء في الشواهد السَّابقة وأمثالها:
الأول: أنْ يكون هذا من باب الفصلِ بين المضاف والمضاف إليه. وهذا رأي سيبويه والجمهور (6).
الثاني: أنْ يكون هذا من باب الحذف؛ حيث حُذِف المضاف إليه من الاسم الأول. وهذا رأي المُبرِّد (7)، واختاره ابن مالك، وابن هشام (8).
الثالث: أنَّ هذا من باب إعمال عاملين في معمولٍ واحد. وهو رأي الفرَّاء (9).
ثانيًا: توجيه الأقوال السَّابقة:
توجيه القول الأول: يرى سيبويه أنَّ أصل قولهم: " قطعَ اللهُ يدَ ورِجْلَ مَنْ قَالَهَا " هو " قطعَ اللهُ يَدَ مَنْ قالَها ورِجْلَه " ثُمَّ أُقْحِمَ (الرِّجْل) بين المضاف والمضاف إليه، فصارت: قطعَ اللهُ يدَ ورِجْلَهُ مَنْ قالَهَا، ثُمَّ حُذِف الضمير مِن (رجلَهُ) إصلاحًا للفظ، واجتزاءً بـ (مَنْ) عن الضَّمير (10). ومثل ذلك بقية الشَّواهد والأمثلة الأخرى، فأصل قول الشاعر: " بَيْنَ ذِرَاعي وجَبهَةِ الأسدِ " بينَ ذِراعي الأسدِ وجبهتِه، ثُمَّ أقمحت (وجبهتِه) بين المضاف والمضاف إليه، فصارت: بين ذِرَاعَي وجبهَتِهِ الأسدِ، ثُمَّ حُذِف الضمير من (جبهتِه)
إصلاحًا للَّفظ.
توجيه القول الثاني: يرى المُبرِّد- وهو يُقَدِّرُ المسألةَ إعماليَّة (11) - أنَّ أصل قولهم: " قطعَ اللهُ يدَ ورِجْلَ مَنْ قَالَهَا " هو " قطعَ اللهُ يدَ مَنْ قَالَهَا ورِجْلَ مَنْ قَالَهَا "، ثُمَّ حُذِف المضاف إليه (مَنْ قَالَهَا) من المضاف الأول (يد) استغناءً عنه بالثَّاني، فإذا قلتَ: " قطعَ اللهُ يدَ ورِجْلَ مَنْ قَالَهَا " أعملت (الرِّجْلَ) في (مَنْ) وقُدِّرَ لليد ما يعمل فيه ويكون محذوفًا (12). ولهذا بقي المضاف الأول على إعرابه وترك تنوينه؛ لأنَّ المضاف إليه المحذوف منويُّ الثبوت.
وهذا الرأي أيضًا رأي ابن مالك ووافقه ابن هشام، على أنْ يكون ثَمَّ معطوف مضاف إلى مثل المضاف إليه المحذوف من المعطوف عليه، قال ابن مالك في الألفيَّة:
ويُحذفُ الثاني فيبقى الأولُ
كحالهِ إذا به يتصلُ
بشرطِ عطفٍ وإضافةٍ إلى
مثلِ الذي لهُ أضفتَ الأوَّلا
توجيه القول الثالث: يرى الفرَّاء أنَّ الاسمينِ مُضَافانِ إلى مُضافٍ إليه واحد،، ففي قولهم: " قطعَ اللهُ يدَ ورِجْلَ مَنْ قَالَهَا " أضافو (اليدَ والرِّجْلَ) إلى (مَنْ قالها)، ولا حذفَ في الكلام. وخصَّه كما قال السيوطي
بالمصطحِبينِ كاليد والرِّجل، والنصف والرُّبع، وقبل وبعد؛ لأنَّهما كالشيءِ الواحد، فكأنَّ المضاف العامل في المضاف إليه شيء واحد، فلا يرد أنَّه لايتوارد عاملانِ على معمولٍ واحد بخلاف نحو: دار وغلام (13).
ثالثًا: الموازنةُ والتَّرجيحُ:
أمَّا رأي الفرَّاء فهو ضعيف؛ " إذ لا يُضَاف اسمانِ معًا إلى اسمٍ واحدٍ " (14).
¥