تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نعم لو قال الإنسان: "اقتضى قدرُ الله كذا وكذا". فلا بأس.

أما المشيئة فلا يجوز أن تضاف للأقدار؛ لأن المشيئة هي الإرادة، ولا إرادة للوصف، إنما الإرادة للموصوف)).

13ـ قول: "هذا زمن أقشر .. الزمن غدار .. يا خيبة الزمن":

فأجاب:

((هذه العبارات التي ذُكِرت في السؤال تقع على وجهين:

الوجه الأول: أن تكون سبًّا وقَدْحًا في الزمن فهذا حرام، ولا يجوز، لأن ما حصل في الزمن فهو من الله عز وجل، فمن سبه؛ فقد سب اللهَ، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي: " يؤذيني ابنُ آدم: يسبُّ الدهرَ، وأنا الدهر أقلب الليلَ والنهار".

والوجه الثاني: أن يقولها على سبيل الإخبار؛ فهذا لا بأس به، ومنه قوله تعالى عن لوط ـ عليه الصلاة والسلام ـ: {وقال هذا يوم عصيب} [سورة هود: الآية 77]؛ أي شديد. وكل الناس يقولون: هذا يوم شديد، وهذا يوم فيه كذا وكذا من الأمور، وليس فيه شيء.

وأما قول: "هذا الزمن غدّار"؛ فهذا سب؛ لأن الغدر صفة ذم، ولا يجوز.

وقول: "يا خيبة اليوم الذي رأيتك فيه" .. إذا قصد يا خيبتي أنا؛ فهذا لا بأس فيه، وليس سبا للدهر، وإن قصد الزمن أو اليوم؛ فهذا سب فلا يجوز)).

14ـ قول: توكلت على الله واستجرت برسول الله:

فأجاب:

((أما قول القائل: آمنت بالله وتوكلت على الله واعتصمت بالله، فهذا ليس فيه بأس، وهذه حال كل مؤمن أن يكون متوكلا على الله، مؤمنا به معتصما به.

وأما قوله: "واستجرت برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ"؛ فإنها كلمة نكرة، والاستجارة بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد موته لا تجوز.

أما الاستجارة به في حياته في أمر يقدر عليه فهي جائزة ..

قال تعالى: {وإن أحَدٌ من المشركين اسْتجاركَ فأجِرْهُ حتى يسمعَ كلامَ اللهِ} [سورة التوبة: الآية6].

فالاستجارة بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد موته شرك أكبر. وعلى مَن سمع أحدًا يقول هذا الكلامَ أن ينصحَه؛ لأنه قد يكون سمِعَه من بعض الناس وهو لا يدري ما معناها.

وأنت يا أخي إذا أخبرتَه وبيّنتَ له أن هذا شرك؛ فلعلّ اللهَ أن ينفعَه على يدك. والله الموفق)).

15ـ حكم التسمي ببعض الأسماء:

فأجاب:

((أما الناصر والخالد وما أشبهها فلا بأس بها؛ لأن المراد بها آل ناصر، آل خالد. لكنّ فيها شيئا من الحذف للتسهيل.

وأما (حُجة الإسلام)؛ فلا يصح وصفُ أحدٍ به؛ لأن كل ما عدا الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإن قوله ليس بحجة إلا من أمِرْنا باتباعهم ـ وهم الخلفاء الراشدون؛ لأن قولَهم حُجة ما لم يخالف نصًّا، ويخالف قولَ صحابيٍّ آخر، فإن خالف النصَّ؛ فالنصُّ مقدَّم على قولِ كل أحد.

وإن خالف قول صحابي آخر؛ طلب الترجيح بين القولين.

المهم أن حجة الإسلام لا تقال إلا لِمَنْ قولُه حُجَّة فقط، وأما من ليس قوله حجة؛ فإنه لا يقال له حجة، وكيف يكون حجة في الإسلام وهو ليس غير معصوم من الخطأ.

أما الرحمانية التي يسمى بها بعضُ الأحياء؛ فلا بأس بها)).

16ـ إطلاق المسيحية على النصارى:

فأجاب:

لا شك أن انتساب النصارى إلى المسيح بعد بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ انتساب غير صحيح؛ لأنه لو كان صحيحا لآمنوا بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ؛ فإن إيمانهم بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إيمان بالمسيح عيسى بنِ مريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ؛ لأن الله تعالى قال: {وإذْ قال عيسى ابنُ مريم يابني إسرائيلَ إني رسولُ اللهِ إليكم مصدقا لِما بين يديَّ من التوراة ومُبَشِّرًا برسولٍ يأتي من بعدي اسْمه أحمد فلما جاءهم بالبيناتِ قالوا هذا سحرٌ مبين} [سورة الصف: الآية6].

ولم يبشرْهم المسيحُ عيسى بنُ مريم بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا مِن أجل أن يَقبلوا ما جاء به؛ لأن البشارة بما لا ينفع لغوٌ من القول لا يمكن أن تاتي من أدنى الناس عقلًا ـ فضلا من أن تكون صدرت من عند أحد الرسل الكرام أولي العزم عيسى بن مريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

وهذا الذي بشّر به عيسى بنُ مريم بني إسرائيل هو محمدٌ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقوله: {فلما جاءهم بالبيناتِ قالوا هذا سحرٌ مبين} [سورة الصف: الآية6] وهذا يدل على أن الرسول الذي بشر به قد جاء، ولكنهم كفروا به وقالوا: هذا سِحرٌ مبين.

فإذا كفروا بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن هذا كفرٌ بعيسى بنِ مريم الذي بشرهم بمحمدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وحينئذ لا يصح أن يَنْتَسِبوا إليه فيقولوا إنهم مسيحيون، إذ لو كانوا حقيقة؛ لآمنوا بما بشر به المسيحُ بن مريم؛ لأن عيسى وغيرَهُ من الرسل قد أخذ اللهُ عليهم العهدَ والميثاقَ أن يؤمنوا بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما قال تعالى: {وإذْ أخذَ اللهُ ميثاقَ النبيين لَمَا آتيتُكُم من كتابٍ وحكمةٍ ثم جاءكم رسولٌ مصدِّقٌ لما معكم لَتُؤْمِنُنَّ به ولَتَنْصُرُنَّه قال أأقررْتُم وأخذْتم على ذلكم إِصْري قالوا أقْرَرْنا قال فاشْهدوا وأنا معكم من الشاهدين} [سورة آل عمران: الآية18].

والذي جاء مصدِّقا لما معهم هو محمدٌ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقوله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتابِ بالحقِّ مصدقا لِما بين يديه من الكتابِ ومُهَيْمنا عليه فاحْكُم بينهم بما أنزل اللهُ ولا تتبع أهواءَهم} [سورة المائدة: الآية 48].

وخلاصة القول: أن نسبةَ النصارى إلى المسيح بنِ مريم نسبةٌ يكذبها الواقع؛ لأنهم كفروا ببشارة عيسى بنِ مريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهو محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكفرهم به كفر بالمسيح)).

*************************************

[نقلا من: فتاوى علماء البلد الحرام: ص 1643 ـ 1666].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير