تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[كوب شاي مع العشماوي!!!]

ـ[العاطفي]ــــــــ[18 - 02 - 2005, 12:36 ص]ـ

الدكتور عبدالرحمن العشماوي:

"اقتحم عليَّ مكتبي" ... نعم إنني أسمِّي تلك الطريقة التي دخل عليَّ اقتحاماً، لأنه لم يستأذن، ولم يسلِّم، بل دخل فجأة، قائلاً، أنا ما أتيتك مسلِّماً، ولا معبراً عن إعجابي بما تكتب، ولكنني جئتك معبراً لك عن ضيقي بكل حرف تكتبه، وبكل بيتِ شعر تصوغه، أنت لا تكتب شعراً، إنما تكتب مواعظ وتنظم نظماً، إنك تشكِّل عائقاً من عوائق الأدب الحديث الذي يحاول أن يتخلَّص من قبضة الأشكال القديمة، والأفكار القديمة، أرجوك أن تتوقف، أن تريحنا من نظمك، ونثرك، وأفكارك التي تريد أن تعيدنا بها إلى القرون الأولى، نحن يا صاحبي في القرن العشرين، لعلك لا تعرف ذلك، أنت لست بناثرٍ ولا شاعر، هذا ما أردت أن أقوله لك.

==============================

كان ثائراً، غاضباً، في احمرار وجهه دليل على بركان من الغضب، كان يرسل حممه كلمات قاسيةًً غاضبة ... لقد فاجأني حقاً، وأثار غضبي، وأشعل في داخلي شعوراً عارماً بالضيق والتبرُّم مما قال، شعوراً كاد يحملني على أن أكيل له الصاع صاعين، ولكنني تمالكت، واستطعت أن أفتح للصبر نافذةً هبَّ منها نسيم الهدوء على قلبي ..

كنت أتأمل ملامحه وحركة يديه، فأرى أنني أمام مراهقٍ حانق، نعم، لقد قدَّرت سنَّه بما لا يتجاوز الثامنة عشرة وانتصرت على ثورة الغضب، وأصغيت إليه حتى أتمَّ كلامه، أتمَّه والانفعال ما زال يملك عليه مشاعره.

قلت له بهدوء: اجلس حتى نتحدث ..

قال لي: لن أجلس، ماذا تريد أن تقول لي؟ أنا لا أريد أن أسمع من أمثالك! أنتم ليس لديكم إلا المواعظ، الإسلام، الإسلام، كل شيء تقولونه، تدخلون فيه الإسلام، أسألك سؤالاً صريحاً، ما علاقة الإسلام بالأدب؟ الإسلام صلاة وصيام وما شابهها، والأدب شيء آخر، الإسلام قيد، والأدب لا يقبل القيد، بل إني أسألك سؤالاً أكثر صراحة: ما أهمية الإسلام لنا في هذا الزمان؟ أنا لا أرى له تلك الأهمية التي تتحدثون عنها!

هنا شعرت بأن أعماقي تغلي، وبأن الغضب قد ملك عليَّ جوانب نفسي، لابد من الردّ بقسوة وعنف لا هوادة فيها، لقد تجاوز الأمر الأدب والشعر، وأصبح يمس الدين والعقيدة، ألا فليذهب الاتزان والهدوء إلى غير رجعة، كان يتحدث وأنا أفكر في الطريقة التي أبدأ بها في الردِّ عليه، هل أبدأ بالصراخ في وجهه المحمرِّ الغاضب، أم أبدأ بلطمة قوية تعيد إليه وعيَه!! ........

لم أسمع في حينها صوتاً آخر في نفسي يناديني إلى الهدوء، بل كنت أصغي إلى أصوات صاخبة تقول لي: واجه هذا الشاب الطائش بما يستحق، لم تكن لديَّ عصا، لا بأس، يمكن أن يقوم العقال الذي يحيط برأسك مقام العصا، حقاً أصبحت في تلك اللحظة مهيَّئاً للمعركة وأني لفي تلك الحالة إذا ارتفع صوت المؤذن لصلاة العشاء " الله أكبر، الله أكبر ".

ما أروع هذا الصوت، لقد انسكب في عروقي عبر مسامعي راحة ً وهدوءاً " الله أكبر " من كل هذه الأوهام التي ينطق بها الفتى المسكين، وشعرت في لحظتها بشفقة عليه، وانتقلت من حالة الغضب الشديد، إلى حالة الحرص على إنقاذ هذا الفتى الذي يتلاعب به الشيطان ..

قلت له: اجلس يا أخي، لقد سمعت كلامك، فأعجبني فيك صدقك في نقل ما تشعر به دون كذبٍ ولا تزويق، أنت رجل صريح في عصر فقد فيه الصراحة، وأصبح الناس فيه – غالباً – يبطنون ما لا يظهرون، أنت فتىً صادق ٌفي التعبير عن نفسك، وكفى بهذه الصفة دليلاً على اتفاق مخبرك ومظهرك.

-الحمد الله – لقد قرأت آثار المفاجأة على وجهه، نعم فوجئ الفتى بهذا الموقف المتسامح، بل شعرت أنه قد أصيب بقدرٍ لا بأس به من الحياء، وبعد تردُّد جلس قائلا ً:

نعم، ماذا تريد أن تقول؟

قلت له: أريد أن أعرف اسمك أولاً ..

وسكت قليلا ًثم قال: عبد الله بن .... ، وبادرته بعد أن سمعت اسم عائلته بقولي: ما شاء الله أنت من عائلة طيبة، وأعرف منها أشخاصاً طيبين منهم الأستاذ " فلان " ..

وما إن ذكرت اسم ذلك الرجل، حتى ثارت ثائرته، وقال بشدة: هذا معقَّد!، ولم أناقشه فيما قال فقد فهمت أن في حياته مشكلة ً قد دفعته إلى هذا الانحراف.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير