تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يوم في حياة ضالّ

ـ[الطائي]ــــــــ[30 - 04 - 2005, 07:43 م]ـ

انبلج الفجر، وتنفس الصبح، وارتعدت فرائص الظلام فَرَقاً من رسل الشمس القادمة على خيول من نور. وما هو إلا قليلٌ حتى تُزَفَّ الشمس إلينا في رحلتها السرمدية بعد أن سجدت تحت عرش الرحمن واستأذنت في الطلوع فأُذِنَ لها.

وخرجت الطيور من وكناتها تسبح بحمد خالقها، وتمطّت الزهور بفتور وتفتحت باتجاه السماء مسبحة هي الأخرى، والنجم والشجر وكلُّ ما في الأرض والسماء يضج بالتسبيح لخالقه وبارئه.

واصطفّ المصلون من عباد الله كما تصطفّ الملائكة عند ربها، تُكمل تلك المنظومة الكونية الرائعة، وتنسجم مع كلِّ ذرة في هذا الكون الرحب، عرفاناً بخالقها واستجابةً لأمره.

وأنت أيها الضالّ، تغطّ في نوم عميق ليلك كله، حتى إذا انصرف المصلون إلى أعمالهم هببت من نومتك ورحت تزاحمهم في الطرقات، تلهث وراء سراب الدنيا، وتسوِّد صحائفك بالسيئات. فلمّا انتصف النهار، واتجه المصلون إلى المساجد يغسلون سيئاتهم ويبردون دواخلهم من سَموم الذنوب؛ كنت قابعاً في إحدى الزوايا هارباً من ربك تخاف أن يراك في المسجد فيغفر لك؟!

وعندما ينتهي يوم العمل، يولّي الفائزون وجوههم شطر المسجد الحرام شكراً لله أن أنعم عليهم بكسبٍ حلالٍ ويستغفرونه عمَّا أساؤوا فيه، وينصرفون إلى بيوتهم راضيةً نفوسهم. وتهرع أيها المسكين إلى الأكل فتملأ أمعاءك السبعة، ثم تنكفئ على وجهك فتنام حتى يملَّك الفراش.

الشمس تسحب ذيولها الذهبية في تؤدة، وتنغمس في بحر الأبدية باطمئنان، ويتضرج الأفق بحمرةٍ فاتنة خجلاً أن مرَّت به عروس الزمان، ويقف الكون في خشوع أمام هذه الصورة البديعة، وتسري في قلوب المؤمنين قشعريرة، ويمتلئون رهبةً أمام مشهد الموت الذي يتكرر كلّ غروب، فيتوجهون إلى ربهم، وما ألذَّ الطمأنينة التي يحس بها الصغير عندما يلجأ إلى الكبير الأكبر. وأنت أيها الخاسر نائم قد بال الشيطان فوق رأسك.

ويُنهي المحسنون يومهم كما ابتدؤوه، تسبيح ودعاء وخضوع وخشوع، فيأوون إلى مضاجهم قريرةً أعينهم، بيضاً صحائفهم، مطمئنَّةً قلوبهم.

و تمضي الأيام، ويتوقف المؤمنون عند واحاتِ الصلوات يعبّون الحسنات، ويستنزلون الرحمات،يسبحون ويحمدون ويسألون ويستغفرون، وأنت مفلس من ذلك كله، قد أكلتك الرمضاء، وأحرق جوفَك الظمأ.

أية حياةٍ تلك التي يحياها من لا يصلي، كيف يعيش، إلى من يلجأ عندما تضيق به الحياة، متى يذكر ربه، متى يستغفر؟!!!

وليت تارك الصلاة قد تركها وترك كلَّ عمل مشين، بل الداهية الدهياء أنك تراه يرتع في كل مرتع وخم، ويحطّ فوق جيف الصغائر والكبائر كالذباب، لا يردعه خوف، ولا يرعوي عمّا هو فيه حتى ينفق. بالله عليكم هل تظنون أن تارك الصلاة إذا عرض له الخنا قال: إني أخاف الله؟! أو إذا قدمت إليه أم الكبائر تورَّع وتذمّم وقال: هذا ممّا حرم الله؟! لا والله، بل تراه ساعياً إلى المخزيات المهلكات بقدم وساق. وتتكدس الذنوب والمعاصي فوقه جبالاً جبالاً، فلا هو من المصلين فتنفعه صلاته، ولا هو من المستغفرين فتغفر ذنوبه. فماذا يقول لربه إذا قدم عليه – ولا بد من القدوم – وماذا سيجد في صحيفته غير الخزي واسوداد الوجه؟!!!

اللهم لك الحمد أن جعلتنا من المصلين، اللهم زدنا ثباتاً وإيماناً، وتوفنا وأنت راضٍ عنّا. اللهم آمين، اللهم آمين.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير