[أحسنت يا ليلى (لغة الثوابت وثوابت اللغة)]
ـ[بديع الزمان]ــــــــ[26 - 12 - 2004, 06:59 م]ـ
وأنا أتصفّح صفحة الرّأي في صحيفة الوطن لفت نظري عنوان أحد الموضوعات المطروحة وهو (لغة الثوابت وثوابت اللغة) وقد كان لكاتبة تدعى:ليلى الأحدب فخلت الحديث عن موضوع الثّابت والمتغير في الدّين التي أشبعها الكتاب نقاشا بعلم حينا وبدون علم حينا آخر حتى ليخيّل إليك في بعض الأحايين أن بعض الكتبة لايعترف بالثّابت ويريد أن يجعل كل مسائل الدين من قبيل المتغير ......
ولكنني فوجئت بالكاتبة تتناول جانبا مشرقا عندما انتصرت للقرآن الكريم واللغة العربية في وجه بعض الدعوات الناعقة بتخلف لغتنا وعجزها عن مواكبة ركب المدنيّة وحضارة العصر فكان مقالا استحق إعجابي وودت أن أشرك إخوتي في الفصيح في قراءته. وإليكم المقال:
لغة الثوابت وثوابت اللغة
ليلى أحمد الأحدب*
في إحدى مقالاته بصحيفة الشرق الأوسط أورد الكاتب خالد القشطيني قصة شخص ياباني تعلّم اللغة العربية ثم نسيها لأنه وجد فيها إضاعةً للوقت, وفي مقالة أخرى كتب أن اللغة العربية تفتقر إلى المعاني الغنية ولم يجد إلا كلمة compromise ليستدلّ بها على هذا الافتقار المتوهَّم إذ لا يوجد - حسب رأيه - مفردة عربية تدل عليها إلا "حل وسط" وهاتان كلمتان لا كلمة واحدة, ولو كلّف نفسه الرجوع إلى أي قاموس لوجد لها معاني كثيرة بكلمة واحدة مثل: تسوية أو تفاهم أو تراضٍ؛ والانطباع الخاطئ للياباني مبرَّر إذا تخيّلنا ذاك الثعلب الذي لم يصل إلى العنب فقال: إنه حِصرم! كما أن القشطيني معذور إذا تذكرنا أنه كأي عربي أصيب بالصدمة الحضارية نتيجة البون الشاسع بين بلده العربي ومنفاه الغربي.
أن يتحامل على اللغة العربية كاتب كالقشطيني فلا مانع أن نتفهم مبرراته دون أن يعني ذلك تقبّلها, لكن ما هو العذر الذي يمكن اتخاذه لمثقف مثل الدكتور خالص جلبي؟ استهل مقالته التي نشرتها صحيفة الاتحاد الإماراتية بتاريخ 13/ 12/2004 تحت عنوان (موت الثقافة العربية) بما يلي: (من أراد لفكره أن ينتشر فليرتحل باتجاه اللغة الإنجليزية, ومن أراد أن يحبس في أربع وعشرين زنزانة عربية فليتقن لسان الضاد الذي لا يجمعنا). لن أناقش آراءه الأخرى التي وردت في المقالة كوصفه للثقافة العربية بالميتة, إذ لم أفهم إن كان يقصد بالثقافة المعنى الخاص بالنشاطات المعرفية بكامل أشكالها فكرية وفنية وعلمية أم إنه يقصد الثقافة بالمعنى العام والذي يشمل كل دلالاتها المعروفة من عادات وتقاليد ومعتقدات وأساليب تربية وأنماط سلوك وأدوات تواصل إلى غير ذلك مما يشكل القالب المعنوي لحضارة أمة بعينها كما تشكل المدنية القالب المادي لها؛ لكن رأيه بتغيير كامل الثقافة العربية فيه حيف شديد وتعميم خطير.
على أية حال قد أشترك مع الدكتور جلبي في بعض منطلقاته ففي مقالة سابقة لي شبهت حال الأمة العربية الإسلامية بجسد مسجّى في العناية المركزة, لكني قصدت أن ثمة جذوةً من الروح باقية ألا وهي دين الإسلام الممثل بالقرآن ولغته الحية, وهو ما يجب الرهان عليه لأنه شعلة أزلية ونعمة أبدية, وقد قال الله تعالى في سورة الأنفال: (ذلك بأن الله لم يكُ مغيّراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ومن أسباب زوال النعمة نكرانها والتقليل من أهميتها, فكيف خلط الدكتور جلبي بين الزنزانة العربية واللغة العربية؟! إن أهم ما يميز مقالاته هو استشهاده بآيات القرآن ليكمل عبارةً أو يزيد بياناً, فليس من الإنصاف أن يحمِّل اللغة العربية أخطاء أبنائها ووزر استبدادهم وإثم تفرقهم؛ ولسان الضاد هذا هو أحد الثوابت الذي يجب الاعتداد به والقيام بحقه, وما دمنا مؤمنين بالقرآن الكريم فينبغي ألا ننسى قول الله تعالى: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) , والقرآن الذي شرفنا الله به إذ أنزله بلغتنا هو الكتاب المقدس الذي عجز الأوائل والأواخر عن الإتيان بآية من مثله, وهو الذي سحر العرب قديماً فآمنوا, ومن لم يسحره جهراً فقد فُتن به سراً ككبراء قريش الذين كانوا يتبعون الرسول عليه الصلاة والسلام مع الفجر دون أن يراهم أحد ليستمعوا إليه مرتلاً آيات الذكر الحكيم حيث الإبهار والدهشة والقدرة والإعجاز؛ حيث العودة لفطرة الإنسان الحقة بالإيمان بالله الواحد وحيث اللجوء إلى حمى رحم اللغة الأم.
¥