تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قلت له مبتسماً: يا عبد الله أنت تعيش في مجتمع تختلف مشارب الناس فيه فلا تظن الناس جميعاً مثلك لابد أن يحتمل أهل الوعي غيرهم ممن هم أقلّ وعياً.

كنت أتابعه بنظري، لقد انفرجت أسارير وجهه، لاشك أنه فوجئ، كان يظن أن موقفي سيكون على غير ما يرى، بل إنه عبر عن ذلك بقوله:

على أي حال أنا آسف إذا كنت قد تحدثت معك بانفعال.

قلت له: لا عليك، يهمني الآن أن تشعر بأنك أمام أخ لك يريد أن يناقشك فهل أنت مستعد؟

قال: نعم.

قلت له: سنشرب الشاي ولكن بعد الصلاة.

قال: لا أستطيع الصلاة.

قلت له: لماذا لا تحاول، ما الذي يمنعك من ذلك؟

لم يزد على أن قال: أنا أستأذنك الآن وسوف أعود إليك بعد الصلاة.

قلت له مبتسماً: لابد أن تعود فإني وكوب الشاي في انتظارك.

بعد صلاة العشاء بقليل جاءني، كان هادئاً هدوءاً عجيباً قال لي: عذراً أشعر أنني قد أسأت الأدب معك.

قلت له: لا تفكر في هذا الأمر، إني أعذرك حقاً، ولا أجد في نفسي عليك شيئاً.

كنت – لحظتها – أسائل نفسي، يا ترى ماذا كان سيحدث لو استجبت لصوت الغضب؟

قلت لصاحبي: هل أنت مستعد للمناقشة؟

قال: نعم، وابتسم، وشرب الشاي وبدأت المناقشة.

بدأت معه بموضوع الأدب والشعر:

سألته: هل قرأت لي كثيرا؟

قال: بعض القصائد.

قلت: كم قصيدة قرأت، عشر قصائد، عشرين، ثلاثين ..

قال: كلا، بل لا تتجاوز اثنتين أو ثلاثا، أنا لا أرضى أن يضيع وقتي في قراءة شعر لا يعبر عن روح العصر!

قلت له: أنت فتى صريح وصادق، أسألك: هل يكفي ما قرأته لإصدار هذا الحكم العام الذي ذكرته؟

بعد لحظة صمت قال لي:

إن أستاذي في الأدب والنقد في الجامعة قد كفاني هذه المهمة لقد أكد لي أن شعرك لا يعبر عن روح العصر، وأنه نظم لا يرقى إلى منزلة الشعر، وأنا واثق برأي أستاذي.

قلت له:

ألست صاحب عقل وتفكير، أليس جديراً بمثلك أن تطَّلع على الشيء بنفسك لتصل إلى الحقيقة دون رتوش؟ ألم تقل إنك ابن القرن العشرين، قرن التفكير والعقل، فأين عقلك إذن، أليس جديراً بك أن تقرأ شعري ثم تقول لأستاذك نعم، أو لا؟

قال بعد صمتٍ قصير: بلى ..

وأهديته ديوانين من شعري واتفقنا على اللقاء بعد شهر لأسمع رأيه فيما قرأ، وقبل أن أودعه قلت له: هل يمكن أن أسألك سؤالا آخر؟

كانت نفسه قد هدأت، وصدره قد انشرح لقد كُسر حاجز الوحشة فيما بيننا وشاع جوٌّ من الأُلْفةِ التي ظهر أثرها على ملامح وجهه الوسيم.

قال لي: نعم، إني مستعد للإجابة عن كل ما تريد ..

قلت له: هل عندك شك في الإسلام؟

غام وجهه من جديد، بل اربدَّ وعلتْه سحابة دكناء، لم أعقِّب على سؤالي بكلمة، كنت أنتظر جوابه بفارغ الصبر، وكنت أرجو أن يقول " كلاَّ " يا ليته يقولها ..... إن كلمته التي قالها قبل قليل عن الإسلام قد ملأت نفسي بالأسى والوحشة والحزن العميق، ألم يقل في لحظة انفعال: "ما أهمية الإسلام لنا في هذا الزمان؟ " يا له من سؤالٍ خطير، يا للحسرة , ليس الفتى من أدغال أفريقيا، ولا من أطراف العالم الذي لم تصل إليه رسالة الإسلام، كلا، إنَّ الفتى من بلاد الإسلام، نشأ في أسرة مسلمة محافظة، يا ترى من أين جاءته هذه اللَّوثة المدمِّرة، إني لأرجو أن يكون انفعاله وغضبه هو الدافع لقول تلك الكلمة، أرجو ألا يكون لها جذور في عقله .....

قال بصوتٍ واهن: أصدقك القول: نعم عندي شك في الإسلام!!

أصابني هول المفاجأة، أو بَهْتَةُ الموقف، نعم، هكذا ينطلق بها لسانك يا عبد الله، بكل سهولةٍ دون تردُّد؟!

كان صوتي خافتاً، وكانت عباراتي محمَّلةً بقدرٍ كبير من الحزن والشفقة على هذا الفتى المخدوع، لقد أحسَّ الفتى بذلك، ولهذا بادرني قائلا: أرجوك ألاَّ تغضب منَّي، إني أصارحك، لا أستطيع أنْ أكذب عليك.

قلت له من أين جاءك هذا الشك؟

سكت قليلا ثم قال: من مناقشاتي مع بعض المثقفين، ومن قراءتي لكتب دلَّني عليها بعض أساتذتي وأصدقائي، لقد نشأت في ذهني أسئلةٌ كثيرة من خلال تلك المناقشات والقراءات عن الكون والعلم والدين والعقل، إن الغرب يتطوَّر بشكل مذهل مع أنه لا دين له، ولا يعترف بالإسلام، أما عالمنا الإسلامي فهو يعيش حالة التخلُّف والذلِّ ما فائدة الإسلام إذن؟!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير