تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَأَمَّا «الْمُؤَاخَاةُ» فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ كَمَا آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَبَيْنَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِتِلْكَ الْمُؤَاخَاةِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ»، فَصَارُوا يَتَوَارَثُونَ بِالْقَرَابَةِ، وَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى «وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ»، وَهَذَا هُوَ الْمُحَالَفَةُ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ التَّوَارُثُ بِمِثْلِ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرَابَةِ وَالْوَلاءِ مُحْكَمٌ أَوْ مَنْسُوخٌ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَلَمَّا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «لا حِلْفَ فِي الإِسْلامِ، وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلامُ إِلا شِدَّةً».

وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ مُحْكَمٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى عَنْهُ.

وَأَمَّا «الْمُؤَاخَاةُ» بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ، كَمَا يُقَالُ: إنَّهُ آخَى بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِنَّهُ آخَى عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ ذَكَرَ أَنَّهُ فَعَلَ بِمَكَّةَ، وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَ أَنَّهُ فَعَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَذَلِكَ نَقْلٌ ضَعِيفٌ: إمَّا مُنْقَطِعٌ وَإِمَّا بِإِسْنَادِ ضَعِيفٍ، وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ، وَمَنْ تَدَبَّرَ الأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ، وَالسِّيرَةَ النَّبَوِيَّةَ الثَّابِتَةَ تَيَقَّنَ أَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ.

وَأَمَّا «عَقْدُ الأُخُوَّةِ» بَيْنَ النَّاسِ فِي زِمَانِنَا، فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْتِزَامَ الأُخُوَّةِ الإِيْمَانِيَّةِ، الَّتِي أَثْبَتَهَا اللهُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ «إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ»، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يُسْلِمْهُ وَلا يَظْلِمْهُ»، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلا يَسْتَامُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَلا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ»، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ»، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ الإِيْمَانِيَّةِ الَّتِي تَجِبُ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ، فَهَذِهِ الْحُقُوقُ وَاجِبَةٌ بِنَفْسِ الإِيْمَانِ، وَالْتِزَامُهَا بِمَنْزِلَةِ الْتِزَامِ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، وَالْمُعَاهَدَةِ عَلَيْهَا كَالْمُعَاهَدَةِ عَلَى مَا أَوْجَبَ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَهَذِهِ ثَابِتَةٌ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بَيْنَهُمَا عَقْدُ مُؤَاخَاةٍ.

وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا إثْبَاتَ حُكْمٍ خَاصٍّ كَمَا كَانَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَهَذِهِ فِيهَا لِلْعُلَمَاءِ قَوْلانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ أَمْ لا؟، فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، قَالَ: إنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى قَالَ: إنَّهُ مَشْرُوعٌ. وَأَمَّا الشُّرُوطُ الَّتِي يَلْتَزِمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي السَّمَاعِ وَغَيْرِهِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: عَلَى الْمُشَارَكَةِ فِي الْحَسَنَاتِ، وَأَيُّنَا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير