تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومنها: استفادة دليل هذا التوحيد من الآيات السابقة عليه ووقوعه هو في سياقها عقيبها كما تقع النتيجة عقب مقدماتها.

ومنها استفادة أن الهداية إلى الصراط المستقيم هي المطمع الأسمى الذي يجب أن يرمي إليه الناس ويتنافس فيه المتنافسون يدل على ذلك اختيارها والاقتصار على طلبها والدعاء بها ثم انتهاء سورة الفاتحة بها كما تنتهي البدايات بمقاصدها.

ومنها: استفادة أن الهداية لا يرجى فيها إلا الله وحده لأنها انتظمت مع آيات التوحيد قبلها في سمط واحد.

ومنها: استفادة أدب من الآداب هو أن يقدم الداعي ثناء الله على دعائه استنتاجا من ترتيب هذه الآيات الكريمة حيث تقدم فيها ما يتصل بحمد الله وتمجيده وتوحيده على ما يتصل بدعائه واستهدائه.

هذه أمثلة اقتبسناها من سورة الفاتحة ونحن لا نظن أن أحدا يخاصم فيها.

هاك مثالين مما وقع فيه خلاف العلماء:

المثال الأول استفادة وجوب الترتيب بين أعضاء الوضوء في الطهارة أخذا من مخالفة مقتضى الظاهر في ذكر هذه الأعضاء بآية الوضوء إذ يقول الله سبحانه {يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} فأنت ترى أنه تعالت حكمته ذكر الرأس وهو ممسوح بين الأعضاء الأخرى وهي مغسولة وكان مقتضى الظاهر أن تتصل المغسولات بعضها ببعض وتذكر قبل الممسوح أو بعده لأن المغسولات متماثلة والعرب لا تفصل بين المتماثلات إلا لحكمة والحكمة هنا هي إفادة وجوب الترتيب بين أعضاء الوضوء في الطهارة على نمط الترتيب الماثل في هذه الآية.

وثمة وجه آخر لاستفادة حكم هذا الترتيب أيضا ذلك أن الآية المذكورة لم تعرض فيها أعضاء الوضوء مرتبة ترتيبا تصاعديا ولا ترتيبا تنازليا فلم يبدأ فيها بالأعالي متبوعة بالأسافل ولا بالأسافل متبوعة بالأعالي بل ذكر فيها عال ثم سافل ثم أعلى ثم أسفل وذلك خلاف مقتضى الظاهر ومثله لا يصدر في لغة العرب إلا لحكمة وما الحكمة هنا فيما نفهم إلا إفادة وجوب الترتيب في الوضوء وبهذا قال الشافعية والحنابلة وإن خالفهم الحنفية والمالكية.

المثال الثاني استفادة وجوب مسح ربع الرأس في الوضوء أخذا من مخالفة مقتضى الظاهر أيضا في قوله سبحانه: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} حيث دخلت باء على الرؤوس وهي الممسوحة مع أن الظاهر كان يقتضي دخولها على آلة المسح وهي راحة اليد ولكن مخالفة هذا الظاهر في كلام عربي بليغ دلتنا على أنه نزل الرأس منزلة آلة المسح إرشادا إلى أن اليد توضع على الرأس وتحرك كأننا مسحنا اليد بالرأس وبهذه الطريقة تنمسح الناصية عادة وهي تقدر بربع الرأس فالواجب إذن هو مسح ربع الرأس وبهذا أخذ الحنفية وإن خالفهم الأئمة الثلاثة رضوان الله عليهم أجمعين.

ولسنا هنا بصدد مقارنات فقهية أو موازنات مذهبية حتى نناصر رأيا على رأي أو نرجح فهما على فهم فحسبنا في هذا الموضوع بيان دلالة نظم القرآن الكريم باعتبار معانيه الثانوية على هدايات متنوعة من عقائد وأحكام وآداب وأدلة ولطائف وإن اختلف الناس في إدراكها على مقدار اختلاف مواهبهم واستعدادهم لأن هذه المعاني الثانوية دقيقة الطرق لطيفة المسالك ومن شأن الدقائق واللطائف أن يكون مجال التفاوت بين الفاهمين لها بعيدا بخلاف دلالة نظم القرآن الكريم على هداياته باعتبار معانيه الأصلية فإنها واضحة قل أن يقع فيها تفاوت أو خلاف لأن هذه المعاني كما قررنا يستوي فيها العربي والعجمي والحضري والبدوي والذكي والغبي.

واعلم أن قرآنية القرآن وامتيازه ترتبط بمعانيه الثانوية وما استفيد منها أكثر مما ترتبط بمعانيه الأصلية وما استفيد منها للاعتبارات الآنفة ولأن المعاني الأصلية ضيقة الدائرة محدودة الأفق أما المعاني الثانوية فبحر زاخر متلاطم الأمواج تتجلى فيها علوم الله وحكمته وعظمته الإلهية وتظهر منها فيوضات الله وإلهاماته العلوية على من وهبهم هذه الفيوضات والإلهامات من عباده المصطفين وورثة كلامه المقربين وأهل الذوق والصفاء من العلماء العاملين جعلنا الله منهم بمنه وكرمه آمين. اهـ نقلا عن مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني (2/ 124 ـ 128) مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه.

وأخيراً أقول بأن الهدى والنجاة في التمسك بالوحي قرآنا وسنة بفهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين والعلماء العاملين، قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].

انتهى الشرح والحمد لله وحده.

كتبه/ أبو عاصم البركاتي الشحات شعبان محمود، عفا الله عنه، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه.

ـ[أبو عاصم البركاتي]ــــــــ[18 - 10 - 09, 08:28 م]ـ

عذراً، سامحوني فقد أدخلت هذا الملف في هذا المنتدى خطأ، كان مكانه في منتدى العقيدة

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير