ويلي الملجدات العشرة الفهرس العام. وإذا فسح الله في الأجل فسوف أكتب إن شاء الله عن العلوم كلها في الدورة الثانية من سنة 430هـ إلى القرن الحادي عشر الهجري.
واسمحوا لي الآن أن أشير إلى بعض ما تحتويه هذه المجلدات مما يحتمل أن يكون جديداً في دراسة تاريخ العلوم الإسلامية:
1. في الملجد الأول: ربما كان جديداً محاولتي أن أبين أن تدوين العلوم الدينية يبتدئ في القرن الأول من الهجرة, وأناقش أهمية الإسناد في الرواية الإسلامية.
2. في المجلد الثاني: ناقشت في مقدمة طويلة قضية أصالة الشعر الجاهلي وروايته, وصنفت مصادر الشعر الجاهلي والإسلامي, ومن ضمنها المعلقات والمفضليات والمجمهرات والأصمعيات, وكتب الحماسة, وكتب المعاني والفضائل والمثالب والأمالي والنوادر وكتب الطبقات .. إلخ. وتناولت نظريات الشعر معتمداً على أكثر من مئة مصدر لم يستفيد منها أو لم تكتشف من قبل هذا. ويضم هذا المجلد ترجمة 2000 ألفي شاعر تقريباً مع استعراض إنتاجهم.
3. في المجلد الثالث: جمعت في هذا المجلد لأول مرة المصادر الإغريقية والسريانية والفارسية القديمة والهندية لعلم الطب عند المسلمين, ويلي ذلك استعراض الأطباء المسلمين. وهذا المنهج القائم على سرد المصادر الأجنبية واستعراض العلماء المسالمين بعدها هو المنهج المتبع في المجلدات التالية جميعها.
وإن المبادئ الأساسية التي تسود هذا المجلد والمجلدات التالية له موضحة في المقدمة كما يلي:
1. إن نشأة العلوم الطبيعية - فضلاً عن العلوم الدينية - تبتدئ لدى المسلمين في القرن الأول من الهجرة, وليس صحيحاً ما يظنه كثير من الباحثين من أن هذه العلوم تبتدئ في أواخر القرن الثاني.
2. إن عهد الترجمات الأولى يرجع إلى القرن الأول لا إلى أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث كما يظن كثير من الباحثين.
3. إن الكتب المزيفة المنسوبة إلى أساطين العلماء من اليونان ليست من وضع المسلمين كما يظن كثير من المعاصرين. وليس هناك أي دافع يحدو بالمسلمين أن يتستروا تحت أسماء اليونان. وإنما ترجم المسلمون هذه الكتب ظناً منهم أنها كتب صحيحة النسبة إلى علماء اليونان. وهذه المبادئ الثلاثة أصبحت قيد النقاش عند المتخصصين, وقد قبلها بعضهم وتردد بعضهم في قبولها ورفضها بعضهم الآخر.
4. في المجلد الرابع: أهم المسائل التي عنى بها في هذا المجلد هي مشكلة تأسيس علم الكيمياء في القرن الثاني من الهجرة على يد جابر بن حيان. وهنا أحاول أن أثبت أن جابر ابن حيان شخصية حقيقية لا خرافية كما يدعى بعض الناس بناء على نظرية كراوس P.Kraus وغيره. فتلك الكتب الكيميائية التي الفها جابر تصدر عن شخصية علمية عظيمة, يستطيع الإنسان أن يرى فيها مثيلاً لأرسطاطاليس. وإن الكتب التي تحمل اسم جابر مؤلفاً لها لا يمكن أن تنسب إلى مدرسة إسماعيلية للكيمياء, عاش اصحابها المزعومون في أواسط القرن الثالث إلى أواسط القرن الرابع. ليس في تاريخ الإسلام أي اشارة إلى تصور مثل هذه المدرسة.
وقد بدأت هذه المسألة تناقش لدى العلماء ورفضها بعض المتخصصين دون أن يبدوا أدلة تبرر هذا الرفض وأوصى بعضهم بالاحتياط في الرد عليها. وكانت فكرة الرد على تلك النظرية تحرك وتثار من قبل بلسنر M.Plessner وهو صديق حميم للعالم كراوس الذي يعد أكبر ممثل للفكرة القائلة بأن جابر بن حيان شخصية خرافية.
ولقد رفع العالم الفرنسي كوربين H.Corbin صوته, وكان من أصدقاء كراوس ومؤيديه, وأعلن بأنه على المتخصصين التخلي عن فكرة كراوس, كما أعلن بأنه يقبل بما جاء في المجلد الرابع من كتاب تاريخ التراث العربي قبولاً تاماً, ووعد بتلخيص محتوي المجلد الرابع للقراء الفرنسيين.
5. في الملجد الخامس: وهو - كما قدمنا - يتضمن تاريخ الرياضيات عند المسلمين, ويظهر أن المسلمين وصلوا إلى نتائج هامة. فقد أسسوا علم الجبر كعلم مستقل, واستطاعوا أن يجدوا طرقاً لحل المعادلات الجبرية من الدرجة الثالثة, منها الحل العددي والحل الهندسي والحل بطريق المنحنيات ووصلوا إلى تنظيم المعادلات من الدرجة الرابعة وحلها, ووصلوا أيضاً في الحساب التفاضلي, وقد أسسوا أيضاً علم المثلثات كعلم مستقل, واكتشفوا المثلثات الكروية .. إلخ.
6. في المجلد السادس: وهو - كما قدمنا - يتضمن علم الفلك وأحكام النجوم والآثار العلوية وسوف أنهي في محاضرة قادمة أهم النتائج في هذه المجالات فلاداعي لذكرها هنا.
أما الجديد على الإطلاق في هذا المجلد فهو القسم الثالث أي قسم الآثار العلوية وقد كان من نعم الله على المؤلف أنه استطاع أن يكتب تاريخ هذا العلم عند العرب الذي لم يكتب فيه المحدثون شيئاً البتة. وقد حاولت أن أبين أن العلماء المسلمين وضعوا عدة نظريات في ميدان الآثار العلوية, وبعض هذه النظريات مطابق تماماً للنظريات الحديثة.
وأرى لزاماً علي أن أصرح بأني اجتهدت في أثناء عملي أن أكون واقعياً منصفاً, وأن أفتدي بما عبر عنه البيروني أحسن تعبير إذ يقول: "إنما فعلت ما هو واجب على كل أنسان أن يعمله في صناعته من تقبل اجتهاد من تقدمه بالمنة, وتصحيح خلل إن عثر عليه بلا حتمة ... وتخليد ما يلوح له فيه تذكرة لمن تأخر عنه بالزمان وأتي بعده" (القانون المسعودي 1/ 4 – 5). وإن آصرة الدين التي تربطني بالعلماء المسلمين ومحبتي لهم لم تنفعاني إلى أن أبالغ في ذكر ما قاموا به في تاريخ العلوم, ولكنهما حدتا بي إلى أن أبحث عن جهودهم واكتشافاتهم, وأن أسر بإثباتها, وأن أسجلها فقط.
وكثيراً ما كنت لا أنجح تماماً في عرضها وبيانها وهذا ما كان يحصل أحياناً نتيجة لعجزي, وأحياناً لتعبي وأحياناً بسبب تسرعي إذ أدركت أن العمر قصير أمام ضخامة العمل الذي تصديت له, وكنت مضطر إلى أن لا أطيل الوقوف عند مجلد مدة طويلة على حساب المجلدات الأخرى.
وأخيراً هذه الخلاصة موجزة لعملي بتاريخ التراث العربي وحياتي معه, وربما أشفقتم على من هذه الحياة الشاقة, ولكي أحس بيني وبين نفسي بأنني من أسعد عباد الله الذي أساله العون والتوفيق.
http://www.libsc.org/ST/P0016.HTM
¥