تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

1 - كاتب المقال يجد واجباً عليه أن يدعو أهل العلم والصلاح من المصنفين للمؤلفات الشرعية أن لا يغفلوا عن واجب الغيرة على قيم الإسلام ومقاصده، وأن ينتبهوا إلى أنه لا أخطر على هذه القيم والمقاصد من أن يسمح – فضلاً عن أن يشجع – تنامي مظاهر السلوك المنافية لها أو غير المنسجمة معها لأن مثل هذا التسامح يمكن لهذه المظاهر أن تكون عادات وأعرافاً فتتحول إلى قيم مضادة لقيم الإخلاص والاحتساب والإيثار والتقوى فيتحول المجتمع من مجتمع إسلامي إلى مجتمع رأسمالي لا يختلف عن المجتمعات الرأسمالية الأخرى إلاّ بالاسم.

أقول هذا إجابة لما يقوله بعض الأخيار – وهم صادقون – إنهم إنما يختارون خضوع مؤلفاتهم المكتوبة أو المسموعة لنظام حماية حقوق المؤلف بغرض أن ينفق العوض المالي الذي يحصلون عليه في سبيل الله، إن هذه المصلحة مهما بلغ حجمها ووزنها لا يمكن أن ترجح على مصلحة قيمة من أهم قيم الإسلام وما يجب من حمايتها وإبعاد عوامل الضعف عنها.

يقول هؤلاء الأخيار – أحياناً – إن في احتكار استغلال المؤلف الشرعي حفزاً للناشر والموزع بأن يبذل كثيراً من الجهد والمال في الإعلان والدعاية للمؤلف فيساعد على انتشاره وإذا لم يحتكر الناشر أو الموزع حق المؤلف بحيث يضمن من بيعه عائداً مجدياً يعوض ما بذله في سبيل نشره من كلفة الإعلان والدعاية بالإضافة إلى ربح مجز لم ينشط للبذل في سبيل الدعاية والإعلان عن المؤلف وبالتالي فيتحدد مجال انتشاره وانتفاع الناس به.

ويتكرر في كلام كثير من الكتاب المسلمين الاحتجاج بأن أخذ المؤلف عوضاً مالياً عن حق التأليف (فيه تشجيع للبحث والعلم وشحذ همم العلماء لنشر أفكارهم وهذا من أهم وسائل تقدم الأمة وتصحيح منهجها) أو أن (الناشر زبون كاسر يحقق مكاسب مادية ودعائية من نشر المؤلف فهل نقول مع هذا بحرمان المؤلف الذي كد فكره وأجهد نفسه وأفنى وقته في مؤلفه من عوض مالي لقاءه، وأن يكون غنيمة باردة لدار النشر)

إن هذه الحجج هي نفسها الحجج الرأسمالية التي كانت الدافع لصدور القوانين الغربية التي خلقت الحق المالي للمؤلف وقررت حمايته، ولكن في حساب المسلم وتقديره هل يعتبر مصنف المؤلف الشرعي مغبوناً ومحروماً إن اختار ما وعد الله وما يرجوه منه على دراهم معدودة يأخذها من الناشر وقد يكون الله أغناه عنها بما أنعم عليه من كفاية؟!

وإذا كانت النائحة الثكلى ليست كالنائحة المأجورة وإذا كان انبعاث الهمة للبحث وتدوين العلم الشرعي بقصد نفع الخلق ورضا الخالق أحرى بالبركة والقبول وبالتالي الانتشار والنفع، وإذا كان المسلم يضع هذا الأمر في حسابه ووزنه وقياسه عند ما يكتفي الكافر بالحسابات المادية فهل يستقيم أن نقول إن هذا الأمر ليس أحرى بأن يكون (الوسيلة الأهم لتقدم الأمة وتصحيح منهجها)؟!.

2 - كانت الأمة المسلمة في كل عصورها تعي الفرق بين جزاء المؤلف وجزاء من يتكسب بالمؤلفات.

وعند ما ألف الإمام النووي رحمه الله كتاب رياض الصالحين (أوسع الكتب انتشاراً لدى المسلمين بعد القرآن) ربما خطر في باله أنه سيتكسب بهذا المؤلف ويرتزق به فئام من الوراقين والنساخين والغالب أنه لم ير في ذلك شذوذاً عن الطبيعة أو الشريعة ولكني أجزم أنه لم يكن ليخطر في باله أن له نفسه حقاً مالياً يتمثل في العوض عن احتكار استغلال هذا الكتاب المبارك، وهل يظن أحد أن المؤلفين من علماء الأمة في كل عصورها لم يكونوا على هذا المنوال؟

من المقبول – لدى القلب المطمئن – أن يقول مسلم لا أترك السعي لكسب لقمة العيش وأحبس نفسي لتعليم القرآن للصبيان إلاّ بمقابل مالي، ولكن ليس مما يطمئن إليه القلب أن يصنف مصنف في تفسير القرآن ثم يقول لا أسمح لغيري بالانتفاع به إلاّ بمقابل مالي.

هناك فرق بين الأمرين إن غاب عن الذهن فإنما يغيب بسبب شيوع ثقافة المعاوضة والمشاحة، واختفاء فكر الإيثار فمن يقيس مصنف المؤلف الشرعي على الناشر التاجر، أو يقيس العوض عن احتكار استغلال المؤلف الشرعي على العوض الذي يأخذه معلم القرآن يغيب عنه هذا الفارق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير