لا تغفلنَّ عن الحديث وأهله - - فالرأيُ ليلٌ، والحديثُ نهارُ
ولَرُبَّما غلط الفتى إِثْرَ الهدى - - والشمسُ بازغةٌ لها أنوارُ
3 - عبد الخالق بن عيسى بن أحمد بن محمد بن عيسى بن أحمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن عبد اللّه بن معبد بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، الشريف أبو جعفر بن أبي موسى الهاشمي العباسي:
أ-وقرأت بخط ابن عقيل في الفنون قال: مما استَحسنتُه من فقه الشريف الإمام الزاهد أبي جعفر عبد الخالق بن عيسى بن أبي موسى الهاشمي رضي الله عنه وتدقيقه - وإن كان أكثر من أن يُحصى -: ما قاله في أوائل قدوم الغزالي بغداد، وجعلوا يأخذون من أموال الناس في الطرقات، وتقصر أيدي العوام عنهم، فقال: الذي نسبه من مذهب أبي حنيفة: أن تجري عليهم أحكام قطاع الطريق، وإن كان ذلك في الحضر. لأنهم عللوا بأن في الحضر يلحق الغوث، فلا يكون لهم حكم قطاع الطريق في الصحارى والبراري. وهذا التعليل موجود في الحضرة لأنه لا مغيث يغيث منهم، لقوتهم واستطالتهم على العوام.
قلت: هذا قريب من قول القاضي أبي يعلى. إن أصحابنا اختلفوا في المحاربين في الحضر: هل تجري عليهم أحكام المحاربين؟ فظاهر كلام الخرقي: أنها لا تجري عليهم. وقال أبو بكر: بل أحكام المحاربين جارية عليهم. وفَضَل القاضي بين أن يفعلوا ذلك في حَضَر يلحق فيه الغوث عادة أو لا. فإن كان يلحق فيه الغوث عادة: فليسوا بمحاربين، وإلا فهم محاربون. ومعلوم أن السلطان إذا امتنع من دفعهم - إمّا ضعفه وعجزه، وإما لكونه ظالمًا يسلط أعوانه على الظلم - تعذّر لحوق الغوث مع ذلك عادة. فيثبت لهم - على قوله - أحكام المحاربين والله أعلم.
ب-ونقلت من بعض تعاليق الإمام أبي العباس أحمد بن تيمية رحمه اللّه. مما نقله من الفنون لابن عقيل: حادثة رجل حلف على زوجته بالطلاق الثلاث: لا فعلتِ كذا، فمضى على ذلك مدة، ثم قالت: قد كنتُ فعلتُه. هل تصدق مع تكذيب الزوج لها. أجاب الشريف الإمام أبو جعفر بن أبي موسى: تُصَدَّق ولا ينفعه تكذيبه.
قلتُ: وللشريف أبي جعفر تصانيفُ عِدة، منها " رؤوس المسائل " وهي مشهورة، ومنها " شرح المذهب " وصل فيه إلى أثناء الصَّلاة، وسلك فيه مسلك القاضي في الجامع الكبير. وله جزء في أدب الفقه، وبعض فضائل أحمد، وترجيح مذهبه. قد تفقه عليه طائفةٌ من أكابر المذهَب، كالحلواني، وابن المُخَرَّمِي، والقاضي أبي الحسين.
3 - عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن إبراهيم بن الوليد بن مَنْدَه:
قلتُ: قد ذكر عن شيخ الإسلام الأنصاري أنه قال: كانت مضرته في الإسلام أكثر من منفعته. وعن إسماعيل التيمي أنه قال: خالفَ أباه في مسائل، وأعرض عنه مشايخ الوقت، وَما تركني أبي أسمع منه. وكان أخوه خيرًا منه.
وهذا ليس بقادح - إن صح - فإن الأنصاري والتيمي وأَمثالهما يقدحون بأدنى شيء ينكرونه من مواضع النزاع، كما هجر التيميُّ عبدَ الجليل الحافظَ كُوباه على قوله: " ينزل بالذات " وهو في الحقيقة يُوافقه على اعتقاده، لكن أنكر إطلاقَ اللفظ لعدم الأثر به.
4 - عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب بن جلبة
قال يحيى بن منده في مناقب الإمام: وَجَدْتُ بخط المؤتمن البغدادي الشيخ الصالح الثقة المتدين رحمه الله، قال: قال أبو يعلى الحنبلي البغدادي: أخرج إليّ أبو الفتح عبد الوهاب بن أحمد الحراني صاحبنا هذه الأبيات، قال: وجدتها في كتاب المصباح، قال: أنشدني أبو منصور الفقيه لأحمد بن محمد بن حنبل رحمه اللّه:
يا طالبَ العلم، صارمْ كلَّ بطال - - وكل غادٍ إلى الأهواء مَيَّالِ
واعمل بعلمك سرًا أو علانية - - ينفعك يومًا على حال من الحالِ
ولا تميلنَّ يا هذا إلى بدع - - تضل أصحابها بالقيل والقالِ
خذ ما أتاك به ما جاء من أثر - - شِبهًا بشبهٍ وأمثالاً بأمثالِ
ألا فكنْ أثريّاً خالصًا فهمًا - - تعشْ حميدًا ودَعْ آراء ضلالِ
5 - -شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي الأنصاري الحنبلي:
وقال بن طاهر الحافظ: سمدت أبا إسماعيل الأنصاري يقول: كتابُ أبي عيسى الترمذْي عندي أفيدُ من كتاب البخاري ومسلم، فقلتُ: لِمَ. قال: لأن كتاب البخاري ومسلم لا يصل إلى الفائدة منهما إلا من يكون من أهل المعرفة التامة. وهذا كتاب قد شرح أحاديثه وبينها، فَيَصِل إلى فائدته كل أحد من الناس من الفقهَاء والمحدثين وغيرهم.
وقال المؤتمن الساجي: كان يدخل عليه الجبابرة والأمراء، فما كان يبالي بهم. ويرى بعض أصحاب الحديث من الغرباء فيكرمه إكراماً يعجب منه الخاصُ والعامّ رحمة الله.
وقال الرُّهاوي: سمعتُ بهراة: أن شيخ الإسلام لما أخرج من هراة، ووصل إلى مرو، وأذن له في الرجوع إلى هراة، رجع ووصل إلى مرو الروذ، قصده الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي الفْرَّاء صاحب التصانيف. فلما حضر عنده قال لشيخ الإسلام: إن اللّه قد جمع لك الفضائل، وكانت قد بقيت فضيلة واحدة، فأراد أن يكملها لك، وهي الإخراج من الوطن، أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية في كتاب "الأجوبة المصرية": شيخ الإسلام مشهورٌ معظم عند الناس. هو إمام في الحديث والتصوف والتفسير. وهو في الفقه على مذهب أهل الحديث، يعظّم الشافعي، وأحمد. ويقرن بينهما في أجوبته في الفقه ما يوافق قول الشافعي تارة وقول أحمد أخرى. والغالبُ عليه اتباعُ الحديث على طريقة ابن المبارك ونحوه.
وقد اعتنى بشرح كتابه "منازل السائرين" جماعةٌ. وهو كثير الإشارة إلى مقام الفناء في توحيد الربوبية، واضمحلال ما سوى الله تعالى في الشهود لا في الوجود. فيتوهم فيه أنه يشير إلى الاتحاد حتى انتحله قوم من الاتحادية، وعظموه لذلك. وذمَّه قومٌ من أهل السنة، وقدحوا فيه بذلك. وقد برأه اللّه من الاتحاد. وقد انتصر له شيخُنا أبو عبد الله بن القيم في كتابه الذي شرح فيه "المنازل" وبيّن أن حمل كلامه على قواعد الاتحاد زور وباطل.
يتبع
ومن الله الحول والطول.
¥