ويقول: غالب من تكلم بالحقيقة والمجاز هم المعتزلة ونحوهم من أهل البدع، وتطرفوا بذلك إلى تحريف الكلم عن مواضعه، فيمنع من التسمية بالمجاز، ويجعل جميع الألفاظ حقائق، ويقول: اللفظ إنْ دل بنفسه فهو حقيقة لذلك المعنى، وإن دلّ بقرينة فدلالته بالقرينة حقيقة للمعنى الآخر، فهو حقيقة في الحالين. وإن كان المعنى المدلول عليه مختلفًا فحينئذ يقالُ: لفظ اليمين في قوله سبحانه وتعالى: "والسّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمينهِ" 39: 67، حقيقة. وهو دَالٌ على الصفة الذاتية. ولفظ اليمين في الحديث المعروف: "الحَجَرُ الأسوَدُ يَمِينُ اللهِ في الأَرْضِ. فَمَنْ صَافَحَهُ فَكَأَنما صَافَح اللهَ عز وَجلَّ".
وقيل: يمينه يُرادُ به- مع هذه القرائن المحتفة به- محل الاستلام والتقبيل. وهو حقيقة في هذا المعنى في هذه الصورة، وليس فيه ما يوهم الصفة الذاتية أصلاً، بل دلالته على معناه الخاص قطعية لا تحتمل النقيض بوجهٍ، ولا تحتاج إلى تأويل ولا غيره.
وإذا قيل: فابن الفاعوس لم يكن من أهل هذا الشأن- أعني: البحث عن مدلولات الألفاظ؟ قيل: ولا ابن الخاضبة كان من أهله، وإن كان محدثاً. وإنما سمع من ابن الفاعوس، أو بلغه عنه إنكار أن يكون هذا مجازًا، لما سمعه من إنكار لفظ المجاز فحمله السامع لقصوره أو لهواه على أنه إذا كان حقيقة لزم أن يكون هو يد الرب عزَّ جل، التي هي صفته. وهذا باطل. واللّه أعلم.
12 - عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي، الحافظ أبو البركات:
قال: وكانت فيه خلة أخرى عجيبة: لا يغتاب أحدًا، ولا يُغتاب عنده. وكان صبورًا على القراءة عليه، يقعد طول النهار لمن يطلب العلم. وكان سهلاً في إعارة الأجزاء لا يتوقف، ولم يكن يأخذ أجرًا على العلم، ويعيبُ من يفعل ذلك، ويقول: علِّمْ مجانًا كما عُلَّمتَ مجانًا.
13 - موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن بن محمد الجواليقي، أبو منصور بن أبي طاهر
وقال ابن خلكان في تاريخه: صنَّف التصانيف المفيدة وانتشرتْ عنه، مثل شرح كتاب "أدب الكاتب" وكتاب "المعرب" وتتمة "دُرَةِ الغَوَّاص" للحريري. وخطه مرغوب فيه.
كان يصلي بالمقتفي بالله، فدخل عليه- وهو أول ما دَخل- فما زاد على أن قال: السلام على أمير المؤمنين. فقال: ابن التلميذ النَّصراني- وكان قائمًا، وله إدلال الخدمة، والطب-: ما هكذا يسلم على أمير المؤمنين يا شيخ، فلم يلتفت إليه ابن الجواليقي وقال: يا أمير المؤمنين، سلامي هو ما جاءت به السنة النبوية، وروى الحديث، ثم قال: يا أمير المؤمنين، لَوْ حَلَفَ حَالِفٌ أنَّ نصرانيًا أو يهوديًا لم يَصِل إلى قلبه نوعٌ من أنواع العلم على الوَجْه المرضي لما لزمته كفارة، لأن اللّه خَتم على قلوبهم ولن يفك ختم اللّه إلا الإيمان. فقال: صَدَقت وأحسنت، وكأنما ألجم ابن التلميذ بحجر، مع فضله وغزارة أدبه.
ـ[طلال العولقي]ــــــــ[15 - 03 - 06, 06:00 م]ـ
-عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الله البغدادي:
أنشد
الفقه علم به الأديان ترتفع - - النحو عز به الإنسان ينتفع
ثم الحديث إذا ما رمته فرج - - من كل معنى به الإنسان يبتدع
ثم الكلام فذره، فهو زندقة - - وخرقه فهو خرق ليس يرتقع
تكييف فقهي عجيب:15 - الجنيد بن يعقوب بن الحسن بن الحجاج بن يوسف الجيلي
قرأت بخط أبي القاسم الجنيد بن يعقوب الجيلي في بعض تعاليقه في حادثة جاءت من بلد الهكار: قطعة جبل لرجل عليها شجر نابت، وتحتها أرض لرجل آخر مزروعة، انقطعت القطعة فسقطت على الأرض التي تحتها، فسترتها وصارت حاضنة لها، مانعة لصاحبها من زراعتها، والشجر بحاله ثابت في تلك القطعة لا يستضر ساحبها، لكن صاحب الأرض التي تحتها يستضر: ما الحكم في ذلك.
الجواب- وباللّه التوفيق-: أنه يحتمل القيمة، لأنها صارت كالمستهلكة فهي كاللآلىء إذا ابتلعها عبده. انتهى. ولم يعز الجنيد هذا الجواب إلى أحد بعينه والظاهر: أنه جوابه بنفسه.
وفيما قاله نظر فإن جناية العبد تفارق بقية جنايات الأموال لأن العبد مكلف مختار، فلا تسقط جنايته وتتعلق برقبته، وإن لزم من ذلك فوات حق المالك. وهذا بخلاف جنايات البهائم فإنه لا يضمن مالكها إلا أن ينسب إلى نوع من تفريط في حفظها، على ما فيه من اختلاف وتفصيل.
¥