الأصولُ الصحيحةُ للقراءةِ، وكيفَ تكوّنُ مكتبتكَ؟ للكاتب الأديب فتى الأدغال
ـ[أبو مشاري]ــــــــ[07 - 06 - 07, 09:16 م]ـ
الأصولُ الصحيحةُ للقراءةِ، وكيفَ تكوّنُ مكتبتكَ؟ للكاتب الأديب فتى الأدغال
من نعمِ اللهِ العظيمةِ علينا نعمةُ الكتابةِ والقراءةِ، ولا أدلَّ على ذلكَ من أنّ اللهَ سبحانهُ وتعالى، افتتحَ وحيهُ بالتذكيرِ بنعمةِ القلمِ، وأنّه سبحانهُ وتعالى علّم الإنسانَ.
والقراءةُ هي السببُ الأوّلُ والرئيسُ في العلمِ، وأداتهُ هي: الكتابُ، والكتابُ لهُ فضائلُ ومزايا ومناقبُ لا تُعدُّ ولا تُحصى، فهو جليسٌ، ورفيقٌ، وأنيسٌ، وواعظٌ، ومحدّثٌ، ومؤرخٌ، وسميرٌ، ونديمٌ، وقلَّ خصلةٌ توجدُ في أحدٍ إلا وجدتها في الكتابِ، اللهمّ إلا أنّه صامتٌ غيرُ متكلّمٍ.
تحوّلتِ القراءةُ مع مرورِ الزمنِ، إلى كلّيةٍ كبيرةٍ، تخرّجُ أفضلَ، وأعظمَ الأدباءِ، والعباقرةِ، والمصلحين، ولا تجدُ عالمًا، أو مفكّرًا، أو مُخترعًا، إلا وجدتَ الكتابَ أستاذهُ الأكبرَ، والقراءةَ عملهُ الأوحدَ، وتجدهُ عندَ القراءةِ منكفًا على نفسهِ، مبتعدًا على الناسِ، مستعذبًا لحظاتهِ، مستمتعًا بكل خواطرهِ وأعضائهِ.
وفضلُ القراءةِ، وفضلُ أداتهِ الكتابِ، منشورٌ ومبثوثٌ في كتبِ أهلِ العلمِ والأدبِ، ومن أحسنِ من ساقَ ذلكَ الإمامُ: الجاحظُ، وذلكَ في كتابهِ العظيمِ: الحيوان، في مقدّمتهِ الماتعةِ.
وللعلماءِ قصصٌ كثيرةٌ تدلُّ على نهمهم ومدى حبّهم، وتعلّقهم الكبيرِ بالكتبِ، وبالقراءةِ، وكتبُ التراجمِ طافحةٌ بذكرِ أخبارهم في هذا، وذكرِ عجائبهم ونوادرهم.
فمن ذلكَ أنّ بعضهم لفرطِ حبّهِ للكتبِ، وغرامهِ بها، ماتَ بسببِها!، كما حصلَ ذلكَ للجاحظِ، ومنهم من كانَ يُقرؤُ لهُ وهو في الحمّامِ، حتّى لا يضيعَ وقتهُ سدىً، كما هو صنيعُ المجدِ ابنِ تيميةَ، ومنهم من كانَ ينامُ والكتابُ في حضنهِ، مدّةَ أربعينَ سنةً، كما هو حالُ الحسنِ اللؤلويِّ، ومنهم من جمعَ مكتبةً عظيمةً، ومكثَ أبنائهُ بعدَ موتهِ يبيعونها ويقتاتونَ منها، كما في ترجمةِ ابن القيّمِ.
وللهِ درُّ أبي الطيّبِ إذ يقولُ:
أعزُّ مكانٍ في الدّنا سرجُ سابحٍ ** وخيرُ جليسٍ في الزمانِ كتابُ
وقد جمعتُ مجموعةً متناثرةً من القواعدِ، تفيدُ القاريءَ، وهي قواعدُ غيرُ مرتّبةٍ، وإنّما كتبتُها على عجلٍ، لكي أنتفعَ بها، وينتفعَ بها غيري من القرّاءِ، ثمّ ختمتُ ذلكَ كلّهُ بذكرِ الكتبِ التي تصلحُ أن تكونَ عمادًا لأي مكتبةٍ، واللهُ المستعانُ.
أوّلاً: تنقسمُ القراءةُ ثلاثةَ أقسامٍ:
القسمُ الأوّلُ: القراءةُ التأسيسيّةُ التأصيليّةُ: وهي القراءةُ التي تؤسِّسُ بها علمًا جديدًا، وهذه في الأغلبِ تكونُ قراءةً في المختصراتِ، أو مباديءِ الفنِّ، ويحتاجُ فيها القاريءُ إلى الحفظِ، والتلخيصِ، واستيعابِ جميعِ المقروءِ، والاعتناءِ بكل حرفِ في المتنِ، أو في المختصرِ، ولا يكتفي بشيءٍ عن شيءٍ، ولْتكنْ أوّلُ همتهِ في الحفظِ، ثُمّ التلخيصُ.
القسمُ الثاني: القراءةُ التكميليّةُ: وهي القراءةُ التي تُكمّلُ بها تأصيلَ العلومِ، وهي تعتمدُ على كتبٍ متوسطةٍ، وتشتملُ على أصولِ العلمِ وأدلتهِ، وتوسعةِ الكلامِ على أمثلتهِ، وشرحٍ لها، وهذا النوعُ من القراءةِ يحتاجُ إلى تلخيصٍ، واعتناءٍ جيّدٍ، إضافةً إلى استيعابِ المقروءِ كاملاً، وذلكَ لأنّهُ مكمّلٌ لتأصيلِ العلومِ.
القسمُ الثالثُ: القراءةُ التوسّعيةُ: والمقصودُ منها القراءةُ في المطوّلاتِ، والتي يكونُ الغرضُ منها زيادةَ المداركِ، والنظرَ في فروعِ العلومِ، وأبحاثها المتناثرةِ، وهذا النوعُ من القراءةِ يكفي فيهِ الجردُ، أو القراءةُ التصويريّةُ، اللهمّ إلا لمن سمتْ همتهُ، وزكتْ نفسهُ، وكانت عندهُ موهبةٌ عظيمةٌ في الاستيعابِ، والحفظِ، فلا بأسَ حيئنذٍ أن يقرأ ويلخّصَ، ويستوعبَ ما أمكنهُ.
ثانيًا: اقرأ كلّ ما يمكنكَ قراءتهُ، واحرصْ على الكتبِ بكافّةِ أشكالها وأنواعها، وابدأ بتخصّصكَ، فاقرأ فيهِ، واجعل همّتكَ أوّلاً في اقتناءِ كتبهِ، إلا إذا وسّعَ اللهُ عليكَ، فاقتنِ كلّ ما أمكنكَ، وإيّاكَ والاستهانةَ بكتابٍ، أو التقليلَ من شأنهِ، فقلَّ أن يخلوَ كتابٌ من فائدةٍ.
¥