تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

خطأ في التدريس: حدِّثوا الطلاَّب بما يفهمون

ـ[خباب الحمد]ــــــــ[16 - 05 - 07, 06:55 م]ـ

خطأ في التدريس

حدِّثوا الطلاَّب بما يفهمون

بقلم: خباب بن مروان الحمد

( [email protected])

" كنت ـ عافاكم الله ـ ممَّن ابتلي في درسه باستجلاب المسائل المختلفة الفنون وأتوكَّأ على أدنى مناسبة حتَّى أفضى الأمر إلى أن لا أتجاوز في الدرس شطر بيت من ألفيَّة ابن مالك مثلاً، ثمَّ أدركت أنَّها طريقة منحرفة المزاج عن الإنتاج".

كان هذا مقطعاً للشيخ محمد الخضر حسين*؛ حيث كتب ذلك في مقالات رحلته الجزائريَّة ([1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftn1))، ثمَّ أضاف الشيخ الإمام محمد الطاهر بن عاشور قائلاً:"وأنا أيضاً عرض لي مثل ذلك في تدريس المقدِّمة الآجروميَّة؛ فكنت آتي في درسي بتحقيقات من شرح الشاطبي على (الألفيَّة)، وفي درس (مقدمة إيساغوجي) ـ كتاب من علم المنطق ـ فأجلب فيه مسائل من (النجاة) لابن سينا ثمَّ لم ألبث أن أقلعت عن ذلك" ([2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftn2))

وقد كان يتحدَّث عن أهميَّة التدرج في طرق طرح مسائل العلم والتعليم تجاه الطلاَّب، وهذا الأمر ـ وللأسف الشديد ـ يكاد يكون قليلاً جدَّاً في الأوساط العلميَّة التأصيليَّة في هذا الزمن الحاضر؛ إذ إنَّ كثيراً من أهل المشيخة والعلم في بداية تصدُّرهم للتعليم يثقلون على مسامع طلاَّبهم من المسائل الكثيرة والعسيرة التي لا تدركها عقولهم وأحلامهم، بل قد يضيعون بين ركام المسائل العلميَّة، ولا يفقهون من الأمر إلاَّ نادراً!

وقد حصل هذا كثيراً معي في بعض الدروس التي حضرتها على مشايخي ـ حفظهم الله ورحم من مات منهم ـ فأذكر مرَّة أنَّ شيخاً قرأت عليه زاد المستقنع في الفقه الحنبلي وقال لي ولجمع من الطلاَّب: "سننهي هذا الكتاب ـ بإذن الله ـ تعالى ـ خلال سنة ونصف" بيد أنَّ الأمر حقيقة قد فرط؛ فشيخنا كثير العلم وقد جمع الله له بين علم الفقه والحديث، ولكنَّه جلس قرابة السنة وهو لم ينهِ شرحه لكتاب الطهارة! حيث كان يفصِّل ويعلِّل ويدلِّل، وفي مسألة واحدة جلس قرابة الساعة يشرح: هل يضع المصلي يديه قبل ركبتيه أو ركبتيه قبل يديه حين الهوي إلى السجود، وذكر خلاف العلماء وآراء الفقهاء والخلاف الدائر في تصحيح الحديث الذي مدار المسألة تعود عليه، وكان يسأل إخواني الزملاء من طلبة العلم: هل فهمتم؟ فيهزُّون رؤوسهم ويقولون: أي نعم! وأنا أجزم أنَّ أكثر من كان حاضراً لم يفهموا ولم يفقهوا ما يقوله الشيخ! بل كانوا يقولون ذلك للشيخ على سبيل الاستحياء كما أفضى إليَّ أحدهم بذلك!

ولو أنَّ طالب العلم في المرحلة المتوسِّطة أو المبتدئة أخذ كتاب (المغني) لابن قدامة الحنبلي، أو (المجموع) للنووي الشافعي، أو (شرح السير الكبير) للسرخسي الحنفي، أو شرح (مختصر خليل) لعلِّيش أو الدردير أو ابن حطَّاب المالكيَّة؛ لو أخذ طالب مبتدئٌ في العلم أحد تلك الكتب، ثمَّ طلب من الشيخ الفقيه المتخصص في أحد تلك المذاهب وطلب منه أن يقرأ عليه كتاباً من تلك الكتب، لَرَفَضَ الشيخ وقال: إنَّ هذا الكتاب من الكتب المتقدِّمة في الفقه؛ فينبغي عليك أن تقتصر على المختصر، ومن حفظ وأتقن الأصول نال الوصول.

وهذا جميل! بيد أنَّ الواقع يخالفه في شروحات كثير من الفقهاء والعلماء؛ حيث يطنبون في مفارق الخلاف ومفاصل الأقوال، وقد يكون شرحهم أكثر تفصيلاً وتعليلاً وتدليلاً وتصحيحاً وتضعيفاً للأحاديث من الكتب المذكورة قبل قليل؛ فيضيِّعون طالب العلم وهو لا يشعر مع أنَّهم يريدون تأصيله في العلم.

وهذا يكمن ـ في تفسيري ـ في سبب أرى أنَّه من الأسباب المهمَّة في سرِّ ضعف التأصيل العلمي لدى طلاَّب العلم، حيث إنَّ الانهمار المعرفي، والإمطار العلمي في عقول الطلاَّب، قد يسبِّبان نُفْرَةً أو اختلاطاً في المسائل والعلوم، ممَّا يؤدِّي ـ غالباً ـ إلى ضعفٍ في التلقي، وقلَّة إدراك لمرمى تلك المسألة وعلَّة هاتيك القضيَّة العلميَّة، ولهذا فمن الأهميَّة بمكان أن يعاد النظر في طرق التدريس، ومهارات التعليم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير