[إشكال صدني عن إكمال دراستي لعلم الحديث والتي استغرقت فترة طويلة]
ـ[أبو البشير]ــــــــ[11 - 04 - 07, 09:07 م]ـ
ولست مقتنعا به كإشكال حقيقي لكن لا أجدني قادرا على المواصلة، ولعل الله أن يجري الخير على أيدي الفضلاء
والإشكال باختصار شديد، أني وجدت أنه ينبغي علي أن أدرس كل حديث وقع الاختلاف فيه دراسة مفصلة تتضمن جمع طرقه والنظر في أقوال أئمة الجرح والتعديل في الرواة الذين مدار الحديث عليهم ووقع الاختلاف بسببهم، وغير ذلك مما يتعلق بالشذوذ والعلل وما إلى ذلك، (في كل حديث مختلف فيه!!!)، فقلت في نفسي: هذا أمر لا ينتهي، وحسبي أن أقلد أوثق العلماء وأعلمهم لدي حين اختلافهم، وانقطعت صلتي بدراسة الحديث منذ عدة سنوات على إثر ذلك.
وأنا لا أدعو إلى فكرتي هذه بطرحي لهذه المشكلة، وإنما غرضي أن يفتح الله على بعض الكرام في إزالة شبهتي هذه، أو تصويبها فتكون رأيا أتبناه، فلست أخفيكم أنا في حيرة من أمري، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
ـ[طالب العلم عبدالله]ــــــــ[11 - 04 - 07, 10:38 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبينا محمد.
أخي الكريم:
تأمل قوله تعالى:
{وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة:282)
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 04 - 07, 12:13 ص]ـ
يا أخي الكريم
أسأل الله أن يوفقك لما يحبه ويرضاه، وأن يهدينا وإياك إلى سواء الصراط، وأن يستعملنا في طاعته، إنه كريم مجيب
ومشكلتك هذه في الحقيقة من أكبر المشكلات التي تقع في واقعنا الحالي، وهي من البلاء الذي ابتلينا به في هذا العصر، ولم نسمع عنه من قبل في العصور المتطاولة على أهل العلم من الماضين!!
وهب أنك عُمِّرتَ عمرَ نوح، وصار لديك من الوقت والجهد والمال والصبر والإقبال ما يؤهلُك لهذا البحث الذي تريده، فهل تظن أن هذا هو العلم المطلوب تحصيله أصلا؟!! وهل تحسب أنك بذلك تصير من أهل العلم بالحديث؟!!
يا أخي الكريم إيتني بإنسان واحد عبر التاريخ صنع هذا الصنيع الذي تظن أنه هو الصواب في الدراسة وطلب العلم؟!
الإشكال يا أخي الكريم سببه خطير جدا، وهو خلل ضخم جدا في المنهجية التي يتبعها طلاب العلم في ابتداء الطلب، وذلك أن الواحد منهم يحسب أن العلم هو الترجيح! فيقصر عمره ويقصر بحثه ويقصر حياته كلها على هذا المبدأ! فتراه لا يريد أن يدرُس مسألة من المسائل إلا إن عرَف الراجح فيها! ولكن كيف يعرف الراجح؟ يعرفه باجتهاده هو! وببحثه هو! وبغير تقليد لأحد إطلاقا! وأيضا بغير آلة ولا سلاح!
ودعني أسألك يا أخي الكريم: ماذا تستفيد أصلا من هذا العلم إن فرضنا أنك استطعت أن تبحث جميع الأحاديث بهذه الطريقة؟!!
هل يكفي ذلك في تحصيل العلم؟ الجواب المؤكد هو (لا)
لأنك سوف تحتاج بعد ذلك إلى التفقه في هذه الأحاديث، أم أنت تحسب أن العلم هو معرفة الصحة والضعف فقط؟!
فإذا جئت لتتفقه في هذه الأحاديث، فلا شك أنك ستسير بالطريقة نفسها، وهي البحث والترجيح في كل مسألة مسألة من المسائل الفقهية!
ولكن دراسة الفقه والترجيح لا يمكن أن يتم بغير دراسة علوم اللغة، فلا بد لك ابتداء من أن تدرس علوم اللغة، كيف؟ أيضا بالآلية نفسها، ببحث كل مسألة مسألة من مسائل النحو والصرف واللغة والبيان والبديع والمعاني والاشتقاق و و ... ومعرفة القول الراجح فيها!! وطبعا الراجح المقصود به ما يترجح عندك أنت! بترجيحك أنت! وببحثك أنت! مجتنبا تقليد أحد!
وهب أنك قضيت شطرَ عمرك في هذا الترجيح المزعوم، ثم بعد عشرين سنة مثلا ظهر لك أن إحدى القواعد التي بنيتَ عليها جهدك كله باطلة لا تصح!! فحينئذ أُراك ستقول: (فيا ضيعة الأعمار تمشي سبهللا)
هذه والله مشكلة المشكلات، ومعضلة المعضلات!
وا أسفاه على شباب ضائع لم يعرف بعدُ كيف يشرع في طلب العلم! أسفًا أجد له من الحر ما يحرق القلب!
والخلل المنهجي كالسوس ينخر في أصل العلم؛ فلا أنت استفدت بوقتك، ولا أنت حصلت ما تريد من العلم!
العلم مراحل وطبقات ومراتب، لا تصلح مرحلة إلا بعد تحصيل سابقتها، وليس كل الطعام يصلح لكل الناس، وليس كل الدواء يصلح لكل الناس، وكذلك ليس كل العلم يصلح لكل الناس!
والعلم في صدور الخلق يتفاوت قوة وضفعا كما يتفاوت الإيمان، فقد تُحصِّل أنت مسألة ويحصِّل غيرك نفس المسألة، ولكن شتان شتان اليقينُ الذي حصل ثلجه بصدره من الخطلِ والخلط الذي حصل بصدرك!
والعلم أصول وفروع، وإنما العالم من عرف الأصول؛ لأن الفروع لا يحاط بها، وليس المقصود بالأصول أصول الفقه أو أصول الحديث أو نحوها، إنما المقصود لباب العلوم الذي هو ملجأ الراسخين في العلم، وهو الركن الوثيق الذي يرجعون إليه عند تهاوي الشبهات والريب من أهل الزيغ والجهالة.
والعلم منه يقين ومنه ظن، وبينهما درجات ومراتب، ولا يكون العالم عالما حتى يعرف حقا درجات ما هو به عالم، فلا يخلط بين مظنون ومتيقن، ولا بين محتمل ومؤكد!
والعلم كلٌّ لا ينفصل، فكل مسألة من مسائله خادمة للأُخَر، وليس بعالم من حصَّل علوما متناقضة يضرِب بعضُها بعضًا ولا ينتبه لهذا التناقض! وإنما العالم من ازداد كل يوم علما، فإما زاده فيما عنده رسوخا، وإما بَيَّنَ له بطلانَ بعض ما كان يعرفه سابقا، فإما نُكِتَت في قلبه نكتةٌ بيضاء، وإما مُحيت منه نكتة سوداء، حتى يصير قلبه أبيضَ مثل الصفا لا تضرُّه شبهةٌ ولا تقدح فيه جهالة، وهذا شأن العلماء الربانيين الذين تحققت بالعلم نفوسهم، وأشربته قلوبهم!
نسأل الله أن يهيئ لنا من هؤلاء ما تقر به عيوننا، وننتفع به، فهم البدور في ظلمات الجهل، والغرباء بين غوغاء الضلال!
¥