تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبوعمرو المصري]ــــــــ[28 - 11 - 09, 10:53 ص]ـ

استقامة اللسان وأثرها على سائر الجوارح

أحمد السيد سلامة (*)

صلاح أحوال المسلم في الدنيا لا تكون إلا بصلاح الأقوال والأعمال، ولا تستقيم الأعمال من غير صلاح الألسنة، ولقد علق - سبحانه - صلاح الأعمال ومغفرة الذنوب على إتيان المسلم بتقوى الله مع القول السديد، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 07 - 17].

ولقد مثَّل - سبحانه - الكلمة الطيبة الناتجة عن استقامة اللسان بالشجرة الطيبة، والكلمة الخبيثة الناتجة عن خلل استقامة اللسان بالشجرة الخبيثة من حيث عُمْق الأثر وبقاؤه، فقال - تعالى -: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 42 - 72].

وفساد استقامة اللسان لا يقتصر أثرها على النفس؛ يزكيها أو يدسيها، بل يتجاوزها إلى المجتمع؛ فالكلمة تُلقى إما أن تُلهِب نيراناً، أو تلقي سلاماً، وإما أن ترفع قائلها، وإما أن تخفضه، وقد تكون في ذاتها حقاً ولكن يفهم الناس منها الباطل، وإذا كانت كلمة الحق أحيانا يراد بها الباطل، كما قال على بن أبي طالب - رضي الله عنه -[1] فكذلك قد يُفهم منها الباطل، ومن هنا وجب على الذين يتكلمون ولا سيما الذين يتصدرون لتوجيه الناس أن يقدروا مواقع كلامهم، ومقدار فهم الناس له؛ فالإخلاص في القول وصدقه لا يكفيان لإثبات حسنه، بل لا بد مع ذلك من أن يكون وقعه في نفوس سامعيه لا يؤدي إلا إلى خير، ورُبَّ كلمة صِدْق وحق أثمرت باطلاً؛ أليس سب آلهة المشركين من الخير والصدق والحق؟ ومع هذا نهى الله عنه؛ لأن عاقبته إلى مفسدة أعظم، فقال - سبحانه -: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 801].

وإنه ليجب على المؤمن أن يعلم أن أشد ما يرديه ويردي المجمتع، ويُعقب البوائق لنفسه وللناس هو لسانه إن انحرف عن القصد وسلك غير الصراط المستقيم؛ فهو إما لسان صدق لا ينتج إلا خيراً، وإما أن تسوء به العقبى، ولهذا كان أعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح: اللسان؛ فإنه ترجمان القلب والمعبِّر عما فيه؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ» [2].

«والمراد باستقامة إيمانه: استقامةُ أعمال جوارحه، فإنَّ أعمالَ الجوارحِ لا تستقيمُ إلا باستقامة القلب» [3].

فإذا اعوجَّ اللسان ولم يستقم، أَثَّرَ ذلك في استقامة القلب، ثم يظهر الأثر على سائر الجوارح؛ فلا توفَّق للطاعة إلا قليلاً، وتتلبس بالمعاصي فيهلك صاحبها، والعياذ بالله.

ولهذا فإن الأعضاء تخشى غائلة اللسان وتشفق من فساده، وتُذكِّره صباح كل يوم بتقوى الله - عز وجل - وما يجب عليه من الاستقامة؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَفَعَهُ قَالَ: «إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ، فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ؛ فَتَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ فِينَا؛ فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا» [4].

قال البغوي: «قوله: تكفر؛ أي: تذل وتخضع» [5].

وقال السندي: («تُكَفِّرُ» من التكفير بمعنى الخضوع؛ أي أن الأعضاء كلها تطلب من اللسان الاستقامة طلب من يخضع لغيره ليفيض عليه بالمطلوب بواسطة الخضوع لديه) [6].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير