تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[من أسرار قيام الليل]

ـ[أبوروضة]ــــــــ[24 - 09 - 09, 02:33 م]ـ

[من أسرار قيام الليل]

حامد بن عبدالله العلي

هذه الليالي العظيمة التي فيها ليلة القدر الجليلة ـ نسأل الله أن يبلغنا فضلها ـ هي مدرسة قيام الليل، وما أدراك ما مدرسة قيام الليل، إنها مدرسة العظماء، والأصفياء، التي تخرج فيها صفوة الصفوة من الأوّلين، والآخرين.

ولو لم يكن في قيام الليل من الفضل إلاَّ أن الله تعالى ربط به تشريف محمد صلى الله عليه وسلم بالمقام المحمود، لكفاه شرفاً وفضلاً، إذ قال (ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك، عسى أن يبعثك ربُّك مقاماً محموداً) وهي الشفاعة العظمى، يوم القيامة.

وقد علم العارفون أنَّ قيام الليل مدرسة المخلصين، ومضمار السابقين، وأنّ الله تعالى إنما يوزّع عطاياه، ويقسم خزائن فضله في جوف الليل، فيصيب بها من تعرض لها بالقيام، ويحرم منها الغافلون و النيام

وما بلغ عبدٌ الدرجات الرفيعة، ولا نوَّر الله قلبا بحكمة، إلاّ بحظ من قيام الليل.

والسرُّ في ذلك أن العبد يمنع نفسه ملذّات الدنيا، وراحة البدن، ليتعبّد لله تعالى، فيعوضه الله تعالى خيرا مما فقد.

وذلك يشمل نعمة الدّين، وكذلك نعمة الدنيا، ولهذا قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (وأربعة تجلب الرزق: قيام الليل، وكثرة الاستغفار بالأسحار، وتعاهد الصدقة، والذكر أول النهار، وآخره).

وقال: (ولا ريب أنَّ الصلاة نفسها فيها من حفظ صحة البدن، وإذابة أخلاطه، وفضلاته، ما هو من أنفع شيء له، سوى ما فيها من حفظ صحة الإيمان، وسعادة الدنيا، والآخرة، وكذلك قيام الليل من أنفع أسباب حفظ الصحة، ومن امنع الأمور لكثير من الأمراض المزمنة، ومن أنشط شيء للبدن، والروح، والقلب) أ. هـ.

ولهذا لاتجد أصح أجساداً من قوَّام الليل، ولا أسعد نفوسا، ولا أنور وجوها، ولا أعظم بركة في أقوالهم، وأعمالهم، وأعمارهم، وآثارهم على الناس.

وقُوَّام الليل أخلص الناس في أعمالهم لله تعالى، وأبعدهم عن الرياء، و التسميع، والعجْب، وهم أشدّ الناس ورعاً، وأعظمهم حفظا لألسنتهم، وأكثرهم رعاية لحقوق الله تعالى، والعباد، وأحرصهم على العمل الصالح.

وذلك أنهم يخلون بالله تعالى في وقت القبول والإجابة، إذ يقول: من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، فيسألون، ويدعون، وقد قربت أرواحهم من الله تعالى، وصَفَت نفوسهم بذكره، فيقرِّبهم منه، ويُضفي عليهم من بركاته، ويُلقي عليهم من أنواره، فيكرمهم بالطاعات، ويخلع عليهم لباس الصالحات.

ولهذا السبب يُحبَّب إليهم قيام الليل، حتى إنهم ليحبُّون الليل، ويشتاقون إليه، أشد من إشتياق العشَّاق للوصال، وبعضهم لايعدّ النهار شيئا، ويريده أن ينقضي بأيّ شيء حتى يأتيه الليل، ليخلوا بالله تعالى، فيجد في ذلك الوقت، كلّ سعادته، وغاية لذته، ومنتهى راحته.

ولهذا لم يكن النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل قطّ، بعد أن أمره الله به، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (ولم يكن يدع قيام الليل حضرا ً، ولا سفرا ً، وكان إذا غلبه نوم، أو وجع، صلّى من النهار ثنتي عشرة ركعة، فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: في هذا دليلٌ على أنَّ الوتر، لا يقضى لفوات محله، فهو كتحية المسجد، وصلاة الكسوف، والإستسقاء، ونحوها، لأنَّ المقصود به أن يكون آخر صلاة الليل وتراً، كما أن المغرب آخر صلاة النهار، فإذا انقضى الليل، وصليت الصبح، لم يقع الوتر موقعه، هذا معنى كلامه).

وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل، فجاء في فضله من الأحاديث جملة مباركة، منها:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن خزيمة في صحيحه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير