تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[التقليد الأعمى]

ـ[عبد الكريم بن عبد الرحمن]ــــــــ[26 - 09 - 09, 07:37 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين (1)، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه (2) و الصلاة و السلام على اشرف المرسلين نبينا محمد عليه افضل الصلاة و التسليم و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

فإني لما رأيت كثرة الشقاق بين المسلمين و تعصب بعضهم لبعض رجال الدين نويت أن أكتب هذه الكلمات, نصيحة لإخواني و تحذيرا لهم من بعض الزلات.

و ليس الغرض منها الدفاع عن قول أحدهم و لكن الغرض كشف الغطاء على حقيقة تقليد العلماء فإني رأيت اكثر المتعصبين للمسائل الفقهية لا علم لهم بالأمور الخلافية و أكثرهم يرددون ما قيل لهم ظنا منهم أن ما سمعوه إستوفى ما قيل في المسألة من غير بحث في أقوال السلف و هذا هو التقليد الأعمى.

إستنباط حكم المسألة لا يتم من حديث أو اثنين و إنما من الدراسة المعمقة لكل الأدلة الصحيحة التي وصلتنا فيها و ما زلت أعجب ممن يتعصب للمسألة و لا يعرف من أدلتها إلا دليلين، بل أكثرهم لا يعرف مذهب الجمهور و لا السف الابرار فيها.

و مدار الغلط في المسألة هو التمسك ببعض الاحاديث و ترك بعضها: يقول الإمام الشاطبى بعد ذكره مناظرة بين ناصر السنة الأمام احمد بن حنبل رحمه الله وأحمد بن أبى دؤاد المعتزلى فى بدعة القول بخلق القرآن (3): "ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد، وهو الجهل بمقاصد الشرع، وعدم ضم أطرافه بعضها ببعض؛ فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها، وعامها المرتب على خاصها، ومطلقها المحمول على مقيدها، ومجملها المفسر ببينها. . . . إلى ما سوى ذلك من مناحيها، فإذا حصل للناظر من جملتها حكم من الأحكام؛ فذلك الذي نظمت به حين استنبطت.

وما مثلها إلا مثل الإنسان الصحيح السوي، فكما أن الإنسان لا يكون إنسانا (حتى) يستنطق فلا ينطق؛ لا باليد وحدها، ولا بالرجل وحدها، ولا بالرأس وحده، ولا باللسان وحده، بل بجملته التي سمي بها إنسانا كذلك الشريعة لا يطلب منها الحكم على حقيقة الاستنباط إلا بجملتها، لا من دليل منها أي دليل كان، وإن ظهر لبادي الرأي نطق ذلك الدليل؛ فإنما هو توهمي لا حقيقي؛ كاليد إذا استنطقت فإنما تنطق توهما لا حقيقة؛ من حيث علمت أنها يد إنسان لا من حيث هي إنسان؛ لأنه محال.

فشأن الراسخين تصور الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضا كأعضاء الإنسان إذا صورت صورة متحدة".اهـ

و قد فهم السلف هذه القاعدة و وعوها فجمعوا السنة وحفظوها و فسروا القرآن و السنة بالقرآن و السنة و لم يضربوا الأدلة بعضها ببعض و لم يخصصوا بعضها بفهم يعارض البعض الآخر ففهم الدليل يحتاج دليلا و قد يضل الإنسان بفهم خاطئ لحرف واحد فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.

روى أبو نعيم في كتابة «الحلية» (4) بسنده عن الربيع بن سليمان قال: سأل رجل من أهل بلخ الشافعي عن الإيمان فقال للرجل: فما تقول أنت فيه؟ قال: أقول: إن الإيمان قول. قال ومن أين قلت؟ قال: من قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ" [البقرة: 277]. فصارت الواو فصلاً بين الإيمان والعمل فالإيمان قول والأعمال شرائعه. فقال الشافعي: وعندك الواو فصل؟ قال: نعم، قال: فإذا كنت تعبد إلهين إلها في المشرق وإلها في المغرب لأن الله تعالى يقول: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ" [الرحمن: 17] فغضب الرجل وقال: سبحان الله أجعلتني وثنياً؟! فقال الشافعي: بل أنت جعلت نفسك كذلك قال: كيف؟ قال بزعمك أن الواو فصل، فقال الرجل: فإني أستغفر الله مما قلت بل لا أعبد إلا رباً واحداً ولا أقول بعد اليوم إن الواو فصل بل أقول إن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص، قال الربيع: فأنفق على باب الشافعي مالاً عظيماً وجمع كتب الشافعي وخرج من مصر سُنياً. اهـ

فأنظر لهذا الرجل كاد يضل بحرف واحد قطعي الثبوت لكنه فهمه بغير الفهم الصحيح و لم يفهمه بغيره من النصوص الصريحة فكيف بمن فهم حرفا ظني الثبوت بغير فهمه و عارض به غيره من النصوص الواضحة الصحيحة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير