وروي أن نبيَّ الله عيسى ابنَ مريمَ - عليه وعلى نبيِّنا أفضلُ الصلاةِ والسلامِ - يقولُ: "تحبَّبوا إلى الله ببغْضِ أهلِ المعاصي، وتقرَّبوا إلى الله بالبعدِ عنهم، واطلبوا رضَا الله بسُخْطِهم"، وروي أنَّ نبيَّنا محمَّدًا - صلى الله عليه وسلَّمَ - قالَ: ((تقرَّبوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، والْقَوْهم بوجوهٍ مكفهرةٍ، والتمسوا رضا الله بسخطهم، وتقرَّبوا إلى الله بالتباعُد منهم)).
وعن علي - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((لا يُحبُّ رجلٌ قومًا إلا حُشر معهم))، وعن أبي مسعودٍ البدريِّ مرفوعًا: ((لا تصاحِبْ إلا مؤمنًا، ولا يأكلْ طعامَك إلا تقيٌّ)).
وفي حديثٍ رَواه أبو نعيمٍ وغيرُه عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلَّمَ -: ((أَوحى الله إلى نبيٍّ من الأنبياءِ أنْ قُل لفلانٍ العابدِ: أما زهْدُك في الدنيا فقد تعجَّلْتَ به راحةَ نفْسِك، وأما انقطاعُك إليَّ فتعزَّزْتَ به، فماذا عمِلتَ فيما لِي عليك؟ قال: يا رب، فما لك عليَّ؟ قال: هل واليتَ لي وليًّا، أو عاديتَ لي عدوًّا؟)).
وفي الأثرِ الإلهيِّ: "أنَّ الله - تبارك وتعالى - أوحى إلى جبرائيلَ - عليه السلامُ - أنِ اقلِبْ مدينةَ كذا وكذا، وقال: يا رب، فيهم عبدُك فلانٌ الصالحُ، قال الله - تعالى -: به فابدأْ، وأَسْمِعني صوتَه؛ فإنَّ وجهَه لم يتمَعَّرْ فيَّ قَطُّ".
فالدينُ - أيها المسلمون - حُبٌّ وبغضٌ، ومُوالاةٌ ومُعاداةٌ في ذاتِ الله، ولْيَكُنْ دينُ أحدِكم أحبَّ إليه من كل شيء وحتى من نفسه، وليحرصْ عليه ولا يدَنِّسْه ولا يَشُبْه بشيءٍ، ولْيَتفقَّدْ نفسَه مِن حينٍ وآنٍ، فأكثرُ الناسِ اليومَ أصحابُ سلوكٍ لا فرقَ عندَهم بين الأتقياءِ البررَة، وبين أهل المعاصي الفجرة، وهذا خلافٌ لما أُنزلَ علينا وأُمرنا به في الآيات القرآنية، والأحاديث الثابتة النبوية، وما عليه سلفُنا الصالح - رضوان الله عليهم.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "من أحبَّ في الله وأبغض في الله، ووالى في الله وعادى في الله، فإنما تُنالُ وَلايةُ الله بذلك" إلى آخر ما قال.
فإنني أخشى على مَن تساهل في أمر دينه، وتسامَح في أوامر الله - تعالى - وأوامر رسوله، وداهَنَ في ذلك مع أهلٍ أو ولَدٍ أو قريب - أنْ يُعاقَبَ بالرَّانِ على قلبِه ثم بالطبْعِ - نعوذُ بالله من موت القلوب - ثم لا يَعرِف معروفًا ولا يُنكِر منكرًا.
قال ابن مسعود - رضي الله عنه-: "أتدرون مَن ميِّتُ الأحياءِ؟ هو الذي لا يَعرفُ معروفًا ولا ينكِرُ منكَرًا".
فاحذروا وتيقَّظوا، ولا يذهبْ دينُكم، ولا تضيِّعوا أوامرَ ربِّكم بيْنَ أولاد ونساء، ولا يحملنَّكم حبُّكم إياهم على التساهلِ في أمر دينكم وذَهابِ الغَيرةِ له؛ يقولُ الله - تعالى -: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ? [التغابن: 14]، وفي الحديث الصحيح: ((كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيتِه))، وفي الحديث الصحيح: ((ما منكم مِن أحدٍ إلا وهو على ثَغْرٍ من ثغور الإسلام، فاللهَ اللهَ أن يُؤتى الإسلامُ مِن قِبَلِه)).
فالواجب على كل مسلم عاقلٍ أن يتمسَّكَ بما في كتابِ ربِّه وسنةِ رسولِه - صلى الله عليه وسلَّمَ - مِن الأوامرِ والواجبات، وأن يَعَضَّ عليها بالنواجذِ، ولو رَغِبَ عنها وحاد عنها الأكثرون مِن الناس، ولا يغترَّ بكثرةِ الهالكين والمنحرِفين؛ فإن الله - تعالى - أخبرَنا وقصَّ علينا أخبارَ الأممِ الماضينَ بأنَّ أكثرَهم كانوا عنِ الحقِّ معرضينَ، وعلى غيرِ سبيل الاستقامة سالكين؛ قال - تعالى -: ? وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ? [الأنعام: 116]، وقال - تعالى -: ? وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ? [سبأ: 13]، وغيرَ ذلكَ من الآيات الكثيرة.
¥