تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العربية , ونهضةِ الأمة من كبوتها , وقيامِها من عثرتها.

والمقام لا يكفي لتعداد مناقبه , ولا للكشف عن بعض ملكاته ومواهبه؛ ولكنّي سأقتصد لتلخيص بعض ملامح منهجه وسمات شخصيته العلمية في نظر فرعٍ يتصل بالشجرة, وهو إذْ أينع وأثمر؛ فإنما يصف من الشجرة ما يصل إليه منها, وهو وإن كان يصف جلّ خصائصها فإنه لا يحسن وصفها على ما هي عليه وإن كان منها قد غُذِي و إليها نُمِي؛ فقد امتدت ظلالها ,و اسّاقطت ثمارها , وتشاجرت أغصانُها , وعظم بنيانها.

مغارس الألفاظ:

فمن أهم ما بني عليه هذا البناء العظيم الالتفات إلى مغارس الألفاظ, ومنابع الأفكار , وكيف تستخرج الفكرة من الفكرة , وتتناسل الأفكار و تتكاثر ,وهي فكرة حيوية في تتبع مسائل العلم , وفي استشراف طرائق صناعة المعرفة؛ فهذان هما الركنان المهمّان في بناء العلوم:

فبهما تُرصَدُ الفكرة في أكثر من عقل توارد عليها , وهُدِي إليها , وتفاعل بها ومعها حتى أنشأها أو أنشأ مالم يكن فيها من قبل , وهذا نمط من التَّهَدِّي إلى الاتصال بالأفكار بوصفها كائناتٍ حية تولد وتنمو وتتكاثر , وتتأثر بالعوامل المحيطة , فالعلم لا ينفصل عن العالم , ومسائله لا تنفصل عن حياته , وحياة الفكرة جزء من حياة صاحبها , تتأثر بكل ما فيها من التفاصيل الدقيقة والمكونات العميقة؛ يعرف هذا من كابد التدسّس في عقول الرجال , والتغلغل في تفاصيل الفكرة والمسألة من مسائل العلم , وتتبعها في مراحل حركتها وسكونها , وحيويتها وركونها , وقرن ذلك بالتلطف في الإنصات لسير العظماء من العلماء والأمراء والشعراء والنبلاء.

وهذا المنحى أصيل في التراث العربي الإسلامي؛ ولذا لم تخل حقبة من حقب تاريخه من المؤلفات التي عنيت بتراجم العلماء وسير العظماء , كما لم تخل أيضا من مصادر تتبع مسائل العلم في كل فنّ , فقد كان الأوائل يدركون أن الرؤية المهيمنة على العلم لا يمكن أن تكون أقرب إلى النضج والكمال , مالم تحط بتاريخ العلوم وتاريخ الرجال.

وقد قامت أكثر دراسات شيخنا أبي موسى على هذين الركنين: فقد تتبع الفكرة البلاغية ومسائل هذا الفن في كتبٍ مثل: "خصائص التراكيب " و" دلالات التراكيب" و " التصوير البياني " , وشيء مما في كتابه: دراسة في البلاغة والشعر " وغيرها. وتتبع حركة عقول العلماء وأفذاذ الرجال في كتب من مثل: " الإعجاز البلاغي , دراسة تحليلية لتراث أهل العلم " و " مدخل إلى كتابي عبد القاهر الجرجاني " , وكتاب " تقريب منهاج البلغاء لحازم القرطاجني" وبعض مباحث كتاب " دراسة في البلاغة والشعر ". وجمع بين الركنين في دراسات متعددة متنوعة من مثل: " البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري وأثرها في الدراسات البلاغية " و" شرح أحاديث من صحيح البخاري دراسة في سمت الكلام الأول " و " قراءة في الأدب القديم " ومباحث متعددة من كتبه التي سلف ذكرها.

ونقل أستأذنا هذا المنحى الأصيل إلى دراسة الشعر والشعراء , كما فعل في دراسة العلم والعلماء , فشعر الشاعر صورة عنه وعن عصره الذي عاش فيه؛ واهتم في هذا الباب على وجه الخصوص بفكرة " منازع الشعراء " والنمط الخاص لكل شاعر في التاتّي إلى فكرته وبناء صورته؛ فشعر امرئ القيس لا يمكن إلا أن تدرك أنه من بحر امرئ القيس , ولا ينفصل عن شخصيته وتفاصيل حياته وهواجسه وأفكاره وخواطره و دقائق تفاصيل العصر الذي عاش فيه , وقل مثل ذلك في شعر زهير والنابغة ,فشعر هؤلاء من الجاهليين له خصوصية العصر الذي عاشوا فيه بكل ماله من مكوّنات , وكذا القول في شعر حسان وابن رواحه , وابن المعتز وبشار و أبي نواس و أبي تمام والبحتري والمتنبي.

دراسة تطور تراكيب الكلام:

وقد عني استأذنا في هذا الجانب بفكرة شغلته كثيرًا وهي " دراسة تطور تراكيب الكلام في الشعر والنثر وفي كل ما يجري به اللسان " فكل نصٍ لابد أن يُرى عليه ميسم عصره؛ والوصول إلى هذا لا يتأتّى عند شيخنا من طريق الحدس الذي يشعر به كل أحد حين يعرف أن هذا من كلام الجاهليين وهذا من كلام العباسيين , أو أن هذا من كلام أهل زماننا , ولكنه لا يتم إلا بأن " تَكتشفَ العناصرَ التي تمََيّز بها كلامٌ من كلام , وتُحدّدَ بدقة عناصر التطوير التي تُداخِل اللسان , من جهة بناء الجملة , وتراكيب الكلام , وليست من جهة الفنون البلاغية فحسب ,

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير