إليها وأخرجها إلى حيز الوجود ...
2 - أن دراسة الهنود للأصوات قد تميزت بوضع مقاييس محددة لأصوات اللين، وتحديد وظيفة التجويف الحنجري، ودور الأوتار الصوتية في إحداث الجهر والهمس. كما تميزت بدراسة المقطع ومواضع النبر، ولا نجد لهذا نظيرا عند اللغويين العرب.
3 - أن الهنود كانوا ينظرون إلى الدراسة الصوتية على أنها فرع مستقل من فروع علم اللغة في حين أن اللغويين العرب اعتبروها دراسة تابعة. وأول مؤلف مستقل في الأصوات عند العرب لم يظهر إلا على يد ابن جني في القرن الرابع الهجري.
كما لايصح أن يقلل من جهد الخليل في معجمه العين، فعلى فرض أخذه الأساس الصوتي عن الهنود فله فضل تطبيقه في لغة أخرى، كما أن أصالته تظهر فيما يأتي:
1 - جمعه المادة اللغوية بالطريقة الإحصائية التي سبق ذكرها، مع حرصه على الشمول.
2 - التقسيم الكمي الذي اتبعه وتفريقه بين الصحاح والعلل.
3 - شرحه الكلمات شرحا دقيقا والاستشهاد عليها بالقرآن والحديث والشعر.
ثم إن عملية الترتيب الهجائي في حد ذاتها لم تكن شيئا جديدا على العقلية العربية، فقد كان العرب يستخدمون الترتيب الأبجدي: أبجد هوز إلى أن استخدموا الترتيب الألفبائي الذي وضعه نصر بن عاصم ورتب الحروف فيه ترتيبا جديدا اقتضاه وضع الحروف المتشابهة في الصورة متجاورة، والبدء بالثلاثيات ثم الثنائيات ثم المفردات التي لا أشباه لها، وتركت الهمزة أولا كما كانت في النظام القديم. انتهى النقل.
التأثير السرياني:
ويتطرق الدكتور أحمد مختار عمر إلى التأثير السرياني على النحو العربي، وينقل قول (جورجي زيدان): "العرب يغلب على ظننا أنهم نسجوا في تبويب النحو على منوال السريان، لأن السريان دونوا نحوهم وألفوا فيه الكتب في أواسط القرن الخامس الميلادي على يد يعقوب الرهاوي .. ويؤيد ذلك أن العرب بدأوا في وضع النحو وهم بالعراق بين السريان والكلدان، وأقسام الكلام في العربية هي نفس اقسامه في السريانية".
ويرد على ذلك بقوله: "وعلى الرغم من وجود هذا الاحتمال بتأثير سرياني على النحو العربي، فلا يكفي، في نظرنا، أن يتخذ مجرد السبق الزمني، أو التجاور المكاني، أو التشابه الجزئي دليلا على وجود تأثير وتأثر. ويبدو أن أولئك المولعين برد كل ما هو عربي إلى أصل أجنبي هم من تلك الفئة من الباحثين التي تستكثر على العقلية العربية الاستقلال الفكري، وتنفي عنهم الأصالة العلمية. ويبدو أيضا أن أولئك الباحثين قد ظنوا أن النحو العربي قد ولد ناضجا، لأته جاءنا ناضجا، فاتخذوا من ذلك دليلا على نقله من نحو أمة أخرى".
ولكنه يقر بوجود أثر للسريان على العرب في نقطتين لا مجال لإنكارهما، وهما:
1 - الأبجدية النبطية "التي استعارها العرب لكتابتهم. والخط النبطي مشتق من الآرامي، والإملاء العربي القديم قريب من الإملاء من الإملاء الآرامي، ويظهر ذلك في الخط الكوفي.
2 - نشأة الحركات الإعرابية في فجر الإسلام، والتي ينسب وضعها إلى أبي الأسود الدؤلي، هي في الحقيقة مأخوذة من السريان. فقد استخدم أبو الأسود طريقة الشكل بالنقط وكانت إحدى طرق الشكل عند السريان، وهي الطريقة التي اتبعها النساطرة".
التأثير العبري:
وينتقل إلى التأثير العبري ليجد أن "الاحتمال الوحيد له في مجال الدراسات اللغوية هو الترتيب المعجمي بحسب القافية أو الباب والفصل". وذكر أن سعيد الفيومي (ت 331 هـ) قد وضع عملا معجميا أسماه Agron رتبه أو رتب قسما منه على الأواخر. وقال "أول من عرفناه من المعجميين العرب يرتب على الأواخر هو أبو بشر اليمان بن أبي اليمان (ت 284 هـ) ثم أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي (المتوفى 350 هـ أو 370 هـ) " ويتساءل: "فهل استفاد الفارابي من سعيد الفيومي؟ أو هل ألف كل منهما معجمه بدون اتصال بالاخر، وخصوصا أنهما تعاصرا لفترة طويلة؟ أو هل هما متأثران بمعجم اليمان أو بمعجم أقدم منهما لم يصلنا أو تصلنا معلومات عنه؟ " ويرى أنها "احتمالات ليس في إمكاننا ترجيح أحدها على الآخر".
ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[09 - 10 - 2009, 05:14 م]ـ
ولكي يكتمل موضوع التأثير والتأثر عند الدكتور أحمد مختار عمر، نجده يعقد فصلا ثانيا لاحتمالات التأثير العربي على النحو السرياني والقبطي والعبري. وكذلك على المعاجم الهندية والتركية والفارسية. وأما عن جانب العروض فقال: "وقد ظهر التأثير العربي بوضوح في الشعر الفارسي والسرياني. يقول الدكتور على الشابي: "نشأ الشعر الفارسي متأثرا بالشعر العربي شكلا وموضوعا" ويقول عن "منو جهري" الشاعر الفارسي الغنائي:"كان للقصيدة العربية بمفهومها الفني أثر واضح في نشأة القصيدة الفارسية .. " ويقول بعد أن عرض نماذج لشعره: "إنها تعتبر أنموذجا حيا للقصيدة الفارسية من حيث تأثرها بالقصيدة العربية شكلا وموضوعا".
أما تأثر السريان فقد تمثل في شكل محاكاتهم للعرب في القوافي، وأول من أدخلها في شعرهم يوحنا بن خلدون في القرن الحادي عشر الميلادي.
¥