(آبْ) اسم شيطان، قال الإمام البخاري في الأدب المفرد: ((عطس ابنٌ لعبد اللّه بن عمر، إما أبو بكر وإما عمر، فقال: آبْ. فقال ابن عمر: وما آبْ؟ إنّ آبْ اسم شيطان من الشّياطين، جعلها بين العطسة والحمد)).
أي: جعل إبليس هذا الاسم بين العطسة والحمد ليذكر، أو ليكون ذلك صارفاً عن ذكر الله وحمده. وقد رواه ابن حجر، وذكر أن سند الأثر صحيح.
ويحتمل اشتقاقه وجهين:
أحدهما أن يكون أعجمياً موافقاً لاسم الشّهر الأعجمي ((آبْ)) وهو الشّهر الثّامن من شهور السّنة الشّمسيّة بلغة السّريان.
والآخر أن يكون عربياً من (أوب) والأَوْبُ الرّجوع، وآبَ إليه: رجع.
(إِبْلِيس) اختلف أهل العلم في أصل ((إبليس)) فقال بعضهم: إنّ إبليس قبل أن يعصي أمر ربّه كان من الملائكة. أو هو حيّ من الملائكة يقال لهم ((الجنّ)) خلقوا من نار السموم من بين الملائكة، وخلقت الملائكة غير هذا الحيّ من نور.
وقال آخرون: هو من الجنّ، واستدلّوا بقوله عز وجلّ:] وإِذْ قُلْنَا للملائكةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلاّ إبليسَ كانَ مِنَ الجِنّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَِبِّهِ [. فإطلاق لفظ الجنّ هنا يعني الجنس المعروف، وكل ما في القرآن من ذكر الجنّ مع الإنس يدلّ على ذلك.
وقيل: هو أبو الجنّ، أو الجانّ.
وكما اختلفوا في أصله الجنسيّ اختلفوا في أصله اللّغويّ، ولهم فيه رأيان رئيسان:
أحدهما: أنّه عربيّ مشتق من قولهم: أبلس الرّجل بمعنى انقطعت حجّته ويئس. قال الواحديّ: قال أكثر أهل اللّغة والتّفسير: سمّي ((إبليس)) لأنّه أبلس من رحمة اللّه، أي: يئس، والمبلس هو المكتئب الحزين الآيس.
واستشكل بعضهم عدم صرفه كما صرف أمثاله مما جاء على وزن (إفعيل) نحو إكليل، وأجابوا بأنّه لم يصرف ـ وإن كان عربياً ـ لقلّة نظيره في كلام العرب، أو لانعدام نظيره في أسماء المعاني، فشبّهوه بالأعجميّ.
ويرى بعض الباحثين أنّه عربيّ مشتقّ، ولكنّه من كلمتين؛ أي: من قولهم: (أبو ليس) بمعنى أبي الباطل مركّبة من (أب + ليس) وهي في الآراميّة (آب + ليث) كنية صارت عليه علماً لحظه فسق اللّعين عن أمر ربّه؛ لأنّه أوّل من تأبّى على خالقه، واستن به من بعد كلّ العصاه، ولأنّه أوّل من قال ((لا)) لمولاه، ولأنّ عصيانه بدا بقوله حين أمر بالسّجود لآدم: لست بساجد، فإبليس حينئذ اسم مزجيّ من (أب + ليس) صيغ على زنة نادرة في العربيّة هي (إفعيل) ولمّا كان الاسم المزجيّ يمنع من الصّرف، كحضرموت وبعلبك منع إبليس من الصّرف، للعلميّة والتّركيب المزجيّ.
والآخر: أنّ لفظ ((إبليس)) معرب، ولذا منع من الصّرف للعلميّة والعجمة، قال بذلك الجواليقيّ، وبعض علماء اللّغة من القدّامى والمعاصرين، وذكر بعضهم أنّه من كلمة يونانيّة هي ((دِيا بُلُسْ)) ( Diabolos) أو ((ديا بوليوس)) ( Diaboleus) ومعناها النّمام والعدوّ والكذّاب، ثمّ انتقل مع الأديان السّماويّة إلى معنى الشّياطين، وحرّف بعد ذلك على ألسنة العرب بحذف داله الأولى في اليّونانيّة لشبهها في آذان العرب بأداة التّعريف اليّونانيّة، وهي التّاء.
واشتقاقه من تلك الكلمة اليّونانيّة مسألة فيها بعد وشكٌّ عند اللّغويين الأثبات، ولا يقطعون فيها بيقين؛ لأنّ القول بعجمة لفظ في لغة ما يتطلّب التّدليل على وجود أصل صريح مقبول في لغة بعينها منها.
ومن اللّغويين من يرى أنّ (دِيَابُلُس) اليّونانيّة مستعار من العبريّة أو الآراميّة، وهما شقيقتا العربيّة، وتحرفت في الأناجيل، وربما كانت (دي- هَبَل) تحرفت إلى ((دِيْبُلُس)) عند من يهمسون الهاء. ومعنى ((دي)) في العربيّة: ((ذو)) وأما ((هبل)) فمعناها: الباطل.
وعلى الرّغم من هذا الغموض في أصل كلمة إبليس يبقى القول باشتقاقها من اللّفظ العربي ((أَبْلَسَ)) قولاً مقبولاً عند كثير من الباحثين، ولا أستبعد أن تكون كلمة ((إبليس)) علماً مرتجلاً في العربيّة على تلك الصّيغة الصّرفيّة النّادرة للتقبيح والتّشنيع لمسمّاها، لعنه اللّه، ولكن يشكل على هذا منعه من الصرف، ولعلهم توهّموا فيها العجمة.
¥