تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واعتمادا على المعطيات السياسية وما تفرزه من وقائع ثقافية ولغوية فان المفهوم الذي ينسجم مع الواقع الثقافي واللغوي هو أن العولمة " اصطباغ عالم الأرض بصبغة واحدة شاملة لجميع أقوامها وكل من يعيش فيها، وتوحيد أنشطتها الاقتصادية والاجتماعية والفكرية من غير اعتبار لاختلاف الأديان والثقافات والجنسيات والأعراق" (9) ولا يخفى أنها صبغة أمريكية لا تعترف بخصوصية الأطياف العقائدية إلا بقدر ما يخدم مصالحها العليا ولهذا دعت في غير مناسبة إلى تغيير الخطاب الديني في المناهج الدراسية الإسلامية، ولا تقر بالتعددية الثقافية - التي تعد شرطا موضوعيا للتكامل الحضاري الإنساني – إلا بمقدار ما ينسجم مع مشروعها الثقافي الذي يخفي بريقه الإنساني مثاقفة سلبية ولا تحترم اختلاف الأجناس والأعراق، وكيف يمكن أن تمتلك ثقافة احترام العرق الآخر وهي التي قامت على أنقاض عرق آخر وهو الهنود الحمر؟ وما زال صدى عبارة ريتشارد نيكسون " إن الله مع أمريكا، إن الله يريد أن تقود أمريكا العالم" (10) يتردد في كل التصريحات الفرعونية للإدارة الأمريكية وعليه فان من اليسير أن نتفهم من يرى أن العولمة هي " الاستلاب الثقافي وتدمير الهوية الوطنية وأنبياء العولمة وفلاسفتها لا يكنّون سوى الاحتقار للثقافات الأخرى غير الغربية وهم يصفونها بأنها مناقضة للتقدم وللعلم (11) ولا نملك إلا التسليم بان العولمة " تغيير طرائق البشر وعقولهم بما ينسجم والأهداف الأميركية القائمة على احتكار السوق والتحكم بالعالم اقتصادياً وسياسياً وثقافياً من خلال مقولة: نحن نختار لك ودعنا نفكر نيابة عنك، واستسلم لأمرنا تكن في أمان من القتل." " (12)

ومن اجل وضوح الرؤية في تلقي المفاهيم يحسن بنا أن نفرق بين العالمية والعولمة لان بعضهم يسعى إلى تسويق العولمة على أنها عالمية بحسن نية أو للتعمية بين المفهومين وما يحفزنا إلى التفريق بينهما أن تحديد مفهوم المصطلح أضحى مطلبا ثقافيا لان الخلط بين المفاهيم يؤدي حتما إلى حالة من التلوث الثقافي التي ينبغي علاجها والحذر من أعراضها" إذ تحمل المعاني الجديدة للعولمة شراسة القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية في أبشع صورها؛ في حين تحمل معاني العالمية الحوار الحضاري بين الثقافات، وتبادل النظرات والخبرات والإنجازات العلمية بما يعود بالفائدة والخير على البشرية جمعاء في فضاء المعرفة السيبراني الذي لا حدود له، والأكثر انفتاحاً وفهماً واعترافاً بالآخر وبقناعاته، وبخصوصيته، فالعالمية تؤالف بين البشر من خلال مفهوم أن الإنسان أخ الإنسان وأن ثقافات الشعوب، وعقولها تتلاقح فيما بينها، وتتفاعل من خلال الحوار والمثاقفة، وليس من خلال العدم والإلغاء" (13)

وما أكثر المداخل التي تتسرب منها المفاهيم بمسميات مختلفة، فلا يخفى أن بعض المفاهيم حينما تقدم بمسمياتها الحقيقية فان المتلقي ينفر منها أما حينما تنتحل اسما آخر فقد يحدث اختلاف في موقف المتلقي فخطورة العولمة تكمن في أنها" تهاجم من كل اتجاه، وتملك استراتيجيات حاذقة، ووسائل تقنية هائلة، وتبدو مثل شبح لا يمكن تحديد موقعه، ومسار حركته بيسر. وبهذا فهي تختلف عن أنماط الغزو الثقافي التقليدية، والتي كان من الممكن رصدها بسهولة مع تعيين الأرض التي تنطلق منها واتجاهاتها، ومجالاتها الحيوية التي تعمل فيها. (14)

ويقتضي هدف البحث أن نتجاوز عن البعد السياسي للعولمة فلهذا البعد جهابذ ته الذين ما انفكوا يسوقون العولمة السياسية وفق رؤى مختلفة ومتناقضة وان نتعمد إغفال البعد الاقتصادي للعولمة فلهذا البعد كذلك أخصائيون لا يقل خلافهم في العولمة الاقتصادية عن خلاف أصحاب التيار السياسي وسنحرص على المحور الرئيس للبحث وهو علاقة البعد اللغوي والثقافي للعولمة باللغة العربية.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير