تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[اللغة العربية والعولمة (الصراع اللغوي العالمي) الحلقة الثانية]

ـ[عمر عتيق]ــــــــ[15 - 10 - 2007, 12:21 م]ـ

اللغة العربية والعولمة (الحلقة الثانية)

الصراع اللغوي العالمي

د. عمر عبد الهادي عتيق

ليست اللغة العربية هي الهدف الوحيد لمروجي اللغة الانجليزية بل إن كل اللغات غير الانجليزية أهداف مرصودة ومعلنة سواء اللغات القادرة على المنافسة بما تتمتع به في الوقت الحاضر من مخزون علمي وتقني وسياسي كالفرنسية واليابانية والصينية والفارسية وغيرها أو اللغات التي ينبغي أن تكون قادرة على المنافسة بما يتمتع به ماضيها من مخزون حضاري شكل رافدا لشرايين حضارات كثيرة ونقصد هنا اللغة العربية.

ولعل أكثر ساحات الصراع اللغوي سخونة هي الصراع اللغوي الانجليزي الفرنسي ". يقول كلود أجيج Claude Hagége: في الولايات المتحدة لا يمر الدفاع عن الإنكليزية عبر السلطة السياسة، فمن أجل دعم اللغة تقترح المؤسسات الخاصة في أغلب الأوقات على الجامعات الأجنبية إبعاد الفرنسية من التعليم في جامعاتهم" (15) وردا على هذا التوجه الأمريكي اتخذت فرنسا إجراءات وقائية لحماية اللغة الفرنسية وتعزيز مشروعها الثقافي من خلال سنِّ قانون يمنع استخدام المفردات والمصطلحات غير الفرنسية في التأليف والأبحاث والمقالات والمحاضرات وحتى في أسماء المأكولات والمشروبات، وفرضت غرامة مالية تصل إلى (3500) دولار على من يخالف هذا القانون، وثمة هيئة لمتابعة تنفيذ هذا القانون باسم (الرابطة العامة لمستخدمي اللغة الفرنسية). ولم يأخذ مجلس النواب الفرنسي باعتراضات المعترضين بأن بعض المصطلحات عالمية، وأن تجنبها سينعكس سلبياً على مشاركات العلماء الفرنسيين في المؤتمرات الدولية، ولذلك يصر الفرنسيون مثلاً على استعمال مصطلحي (سيدا) و (أرديناتور) بدل (إيدز وكمبيوتر) على الرغم من انتشار هذين الأخيرين عالمياً .. وقد وعدت (فرنسا) بإلغاء (16) مليار فرنك من الدين على دول إفريقية مقابل أن تستمر تلك الدول في ضمان الدور المتفوق للغة الفرنسية في الحكومة والتعليم. ومما يجدر ذكره أن في فرنسا (52) جمعية لحماية اللغة الفرنسية وبإشراف الرئاسة الفرنسية كما قامت مثل هذه الحملات لحماية اللغة القومية في كل من أندونيسيا وسنغافورة. (16)

وقد تجسد البعد القومي للغة لدى الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي" انسحب من مؤتمر قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، عندما قدم الفرنسي اغيرنست سيلييرغ، رئيس البنك المركزي الأوروبي، تقريرا اقتصاديا للمؤتمر، تحدث فيه بالانجليزية. قاطعه، بعد أول جملة، شيراك، وقال له: «لماذا بحق السماء تتكلم الانجليزية؟» أجاب «لأنها أصبحت لغة الاقتصاد العالمي»، لكن شيراك لم يقتنع، وخرج مع بقية الوفد الفرنسي من القاعة، ولم يعودوا إلا بعد أن غير سيلييرغ إلى الفرنسية. (17) إن هذا الموقف من رئيس دولة يجسد التكامل بين القرار السياسي المستقل والبعد اللغوي القومي ولا يحمل موقف الرئيس الفرنسي كراهية للغة الانجليزية ولا تعصبا للغته ولكنه يحمل انتماء وطنيا وسيادة سياسية. ألا يدعونا هذا الموقف الوطني إلى المقارنة بينه وبين كثير من الرؤساء العرب الذين يتسابقون باعتلاء المنابر الدولية والمحلية ولا يجيدون إلا اللغة الانجليزية وإذا تحدثوا بالعربية الفصيحة ظهر اللحن في كل مستويات النظام اللغوي وقد يفرون من الفصيحة إلى العامية التي تعجز عن النهوض بمقتضيات الخطاب السياسي.

ومن هذا القبيل أيضاً ما قامت به إيران من منع استخدام المفردات والمصطلحات غير الفارسية في الإذاعة والتلفزيون بعد أن زودت العاملين في حقل الإعلام بالمصطلحات الفارسية البديلة عن تلك الأجنبية، وهذا موقف آخر يقتضي الربط بين الانتماء اللغوي والثقل السياسي. أما الدعاية للغة القومية والترويج لاستخدامها فلدى الحكومة الألمانية قسم لترويج اللغة الألمانية ويخصص حوالي (5000) مليون مارك ألماني لهذا الغرض، فكم يخصص من المال العربي المهدور لترويج اللغة العربية على المستوى العالمي؟ ولنطرح الوجه الآخر للسؤال ذاته: كم يخصص من المال العربي لإفساد اللغة العربية على المستوى المحلي؟ كما أنشأت (إيرلندة) وكالة اللغة الإيرلندية. وقد وفرت هذه الوكالة أموالاً ضخمة لعلاج المواقف من الإيرلندية عن طريق حملة دعاية بدأت في العام 1978 في الصحافة والإذاعة والتلفزة وبلوحات الإعلانات، وقد نُظَّمت الحملة وكالةُ إعلان حول موضوع رئيسي هو "لغتنا جزءٌ من كياننا. ومن هذا القبيل ما فعلته، (اليونان) التي طورت لغتها بإدخال (نظام الكتابة الرتيبة) الذي خفض زمن الكتابة بنسبة 35%، وأمكن تقليل زمن تعلم اللغة الأم بشكل كبير (18) واللافت للنظر أن " الولايات المتحدة نفسها «بتعددياتها العرقية والدينية» حشدت كل الطاقات من أجل رفض قرار تعليم الإسبانية في المراحل الأولية في مدارس كاليفورنيا عام 1994م. بل إنها رفضت أيضا تغيير نظام قواعد اللغة الانجليزية ليتوافق مع طريقة المواطنين السود « Ebonics»، وهم فئة كبيرة من الشعب الأمريكي نفسه." (19). فأمريكا ترفض تعليم لغة أجنبية للمرحلة الأساسية ومعظم أصحاب القرار التربوي العربي يصرون على تعليم الانجليزية للمرحلة الأساسية وبخاصة للصف الأول الأساسي، ويدافعون عن قرارهم ويتفاخرون به.>>>>>>>>>>>>>>>>>> يتبع

هوامش

15 - موردات، ميخل: ترجمة: حامد فرزات: أمريكا المستبدة_ الولايات المتحدة وسياسة السيطرة على العالم (العولمة)، ص 189 - 190

16 - انظر: خسارة،ممدوح: التعريب في مواجهة الغزو الثقافي _ (الندوة السنوية لجمعية البحوث والدراسات العرب وتحديات المستقبل) منشورات اتحاد الكتاب العرب،دمشق،8_9\ 2002، ص 132 - 133)

17 - صالح،محمد علي: حرب اللغات. جريدة الشرق الاوسط الجمعة 09 ربيع الاول 1427 هـ 7 ابريل 2006 العدد 9992).

18 - انظر: خسارة، ممدوح:التعريب في مواجهة الغزو الثقافي _ ص 132 - 133)

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير