[أتنظير، أم تضليل؟]
ـ[أبو محمد المصرى]ــــــــ[06 - 12 - 2007, 02:17 ص]ـ
[أتنظير، أم تضليل؟]
مقال للعلامة (أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري)
كتيب وزن الشعر الحر في أنشودة المطر لبدر شاكر السياب تأليف الصادق شرف من الكتيبات التي تستهويك بخداع العناوين؛ إذ تظن أن هذا الحجم الصغير في موضوع محدد سيأتي بالخلاصة، ويعفيك من شهوة الكلام التي يتميز بها جمهور المعاصرين,, ولكن المفاجأة أثبتت أن الهذر تَطَبُّعٌ لدى أكثر المعاصرين,, وكانوا يعيبون على مثل الجاحظ وأبي حيان التوحيدي والحصري الاستطراد الأدبي من موضوع إلى موضوع,, كما يعيبون على مثل شيخ الإسلام ابن تيمية استطرادهم العلمي,, والواقع ان استطراد أولئك من ممتع إلى أمتع، ومن مفيد إلى ما هو أعظم فائدة,,واستطراد أمثال الصادق شرف انتقال من هذر إلى هذر,, تجد اقتباسات من كتب خواجية وعربية لايقتضيها مقتضيات فكرية، أو تداعيات نفسية,, وإنما هو الفرح بكلمة مجدفة، أو كلمة ذات شعار، أو كلمة غريبة الصياغة والفكرة!! ,, أما الارتباط بالموضوع وهو وزن الشعر الحر في أنشودة المطر فلا يوجد ألبتة، وإنما تستخرج من هذا الكتيب مقالة من بضع صفحات تتعلق بموضوع عنوان الكتاب,, وكأن الكاتب حريص على أن ينقل من موسوعة المصطلح النقدي تعريب عبدالواحد لؤلؤة، وقضايا معاصرة لحسن حنفي، والفن والحس لميشال ديرميه,, ينقل عن هذه المصادر كيفما اتفق ليظل كتيبه حداثياً وحسب,
والعجيب أن شواهد الشعر من الشاعر التونسي أبو وجدان أكثر من شواهد الشعر للسياب موضوع الدراسة!!
قال أبو عبدالرحمن: وبالتنازل عن مطالبة الكاتب بالموضوع الذي حدده لنفسه من عنوان الكتاب، وبالتنازل عن مطالبته بالأصالة؛ بأن تكون له شخصيته الفكرية والأدبية، وألّا يكون مجرد متذوق في النقل عن الآخرين,, بهذين التنازلين لا أجد بأساً في مناقشة بعض التنظير الغائم الذي استله تذوقاً من أعمال نزار قباني,, ولعل قدرته الفكرية والنقدية في الاختيار من أعمال الآخرين أظهر وأسمى من قدرته هو في التنظير! ,
أخذ من كتيب الكتابة عمل انقلابي لنزار قباني هذه العناصر التنظيرية واكتفى منها بما يتعلق بالشعر:
1 - أن تكون القصيدة فريدة: الشرط الأساسي في كل كتابة جديدة هو الشرط الانقلابي، وهو شرط لا يمكن التساهل فيه أو المساومة عليه,, وبغير هذا الشرط تغدو الكتابة تأليفاً لما سبق تأليفه، وشرحاً لما انتهى شرحه، ومعرفة بما سبق معرفته,, الكتابة الحقيقة هي نقيض النسخ، ونقيض النقل، ونقيض المحاكاة الزنكوغرافية أو الطباعية؛ فالقصيدة الجيدة هي النسخة الأولى التي ليس لها نسخة ثانية سابقة لها أو لاحقة بها,, يعني أنها زمان وحيد هارب من كل الأزمنة,, ووقت خصوصي منفصل كلياً عن الوقت العام,
القصائد الرديئة هي القصائد التي تعجز عن تكوين زمانها الخصوصي، فتصب في الزمن العام، وتضيع كما تضيع مياه النهر في البحر الكبير ,
2 - وأن يكون مع ذلك الدهشة: إن الشعراء في عالمنا العربي هم بعدد حبات الرمل في الصحراء العربية، ولكن الذين استطاعوا أن يخرجوا من المألوف الشعري إلى اللامألوف، ويطلقوا في السماء عصافير الدهشة، ويقيموا للشعر جمهورية لا تشبه بقية الجمهوريات: يعدون على الأصابع,
ويظل الكاتب الانقلابي يثير الدهشة,, حتى تصبح الدهشة عادة ثانية لا تثير حماس الناس ولا خيالهم؛ فيبدؤون في البحث عن انقلاب آخر يحرك طفولتهم، ويرميهم في بحر الانبهار والمفاجآت من جديد ,
3 - وأن يكون سبيل ذلك الانفصال عن الجذور: الشرط الانقلابي يعني خروج الكتابة والكاتب على سلطة الماضي بكل أنواعها الأبوية، والعائلية، والقبلية، وإعلان العصيان على الصيغ والأشكال الأدبية التي أخذت بحكم مرور الزمن شكل القدر أو شكل الوثن,
وبالشرط الانقلابي نعني إلغاء جميع حلقات الذكر التي كان ينظمها دراويش الكلمة ومتعهدو حفلات الأدب ويدورون فيها حول ضريح لا يوجد فيه أحد,
ومهمة الكاتب الانقلابي صعبة ودقيقة؛ لأنها تتعلق بإلغاء تنظيم قائم له جذوره الدستورية، والتاريخية، والقومية، واللغوية، وإعلان تنظيم والاعتراف بدستوريته 1 ,
¥