تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[اللغة العربية والعولمة (اللغة والثقافة بين الأصالة والاغتراب) الحلقة الاولى]

ـ[عمر عتيق]ــــــــ[14 - 10 - 2007, 01:17 م]ـ

اللغة العربية والعولمة

(اللغة والثقافة بين الأصالة والاغتراب)

الحلقة الأولى

د. عمر عبد الهادي عتيق

فلسطين \ جنين

اللغة والهوية

ينبغي أن نشير إلى أن أهمية اللغة لا تنحصر في الغاية التواصلية بين الناطقين باللسان العربي أو بالقول إنها وعاء الفكر العقائدي والثقافي أو أنها آلية تفكير وإبداع فحسب وإنما الخطورة في أهميتها أنها هوية تختزل ماضي الأمة بموروثها الحضاري والسيادي وتقترن قوتها بقوة أبنائها وتجسد حاضرها من خلال العلاقة الجدلية بين هوان أبنائها وضعفها وتؤشر إلى ماهية الغد، إذ إن " الهوية ذلك الإحساس الداخلي المطمئن للإنسان على أنّه هو نفسه في الزمان والمكان وعلى أنّه منسجم مع نفسه باستمرار مهما تعددت واختلفت المكانات الاجتماعية وعلى أنّه معترف به بما هو عليه من طرف الآخرين الذين يمثلون المحيط المادي والاجتماعي والثقافي المحلي والإقليمي والدولي " (1) ولعل هذا الفهم للهوية اللغوية كان ملهما لمحمود درويش في جداريته حينما ربط بين ضياع اللغة والموت فهو يرى" أن الموت هو موت اللغة وعدم القدرة على النطق حين كتب على ورقة الطبيب لقد فقدت اللغة أي لم يبق مني شيء". (2) ويؤكد ذلك أيضاً الفيلسوف الألماني (فيخته) بقوله: (أينما توجد لغة مستقلة توجد أمة مستقلة لها الحق في تسيير شؤونها وإدارة حكمها) (3) ولا يتجاوز الواقع العربي السياسي صدى قول الفيلسوف (فيخته)

وهذه العلاقة العضوية بين اللغة والهوية هي التي دفعت كرومر أثناء غزوه لمصر لوضع " خطة تعليمية تستهدف إبعاد العربية عن ميدان التعليم، ويستبدل بها لغة قومه" (4) وهي التي حفزت أقطاب الاستعمار على تفريغ اللغة العربية من مقوماتها " لأن المستعمر أدرك أن اللغة القومية تشدّ الإنسان العربي إلى قومه، وتربة وطنه، وتربي فيه شخصيته القومية، ومشاعر العزة والانتماء. فكان إحياء اللغات الميّتة، وتشجيع انتشار اللهجات المحلية، وتعزيز استعمالها في الحياة العامة والرسمية، واتهام العربية بالقصور والعجز وعدم القدرة على مواكبة روح العصر" (5)

حول تعريف العولمة

ما زال المفكرون والسياسيون مختلفين على مفهوم العولمة بسبب اختلاف مشاربهم الثقافية وتباين دوافعهم الذاتية ويقتضي اتجاه البحث أن نحدد مفهوم العولمة الذي يتناغم مع التحديات التي تواجه واقع اللغة العربية، ومن اجل تحديد المفهوم ينبغي أن نستبعد بعض المقولات التي تسعى إلى تسويق العولمة وان نحذر من المفاهيم الاغرائية ولهذا لا نطمئن إلى المنظور العام للعولمة على أنها " إكساب الشيء طابع العالمية, وما يشترك فيه كل الناس باعتباره مشكلا من أشكال توحد العالم المفضي إلى سعادة البشر" (6) لان الذين يقفون خلف برامج تسويق العولمة لا يضعون في أجندتهم السياسية والاقتصادية الأمن والغذاء لجميع البشر وإنما تسخير جميع البشر لسعادة فئة من البشرية تمتلك عوامل القوة المطلقة لفرض إرادتها من منظور مصالحها. ولا نجد سكينة بالقول " إنّها توحيد طريقة التفكير والنظر إلى الذات وإلى الأخر وإلى القيم" (7)، لان مفهوم الذات أو الأنا ينبغي أن ينطلق من الإرث الحضاري بعيدا عن معطيات الواقع التي يتحكم بها الآخر، ولان مفهومنا للآخر ينبغي أن ينبع من فهمنا الخاص لا من رؤية الآخر لنفسه. ولا يهدئ من روعنا من يرى أن العولمة " لا تهدد الهوية أو الهويات الثقافية بالفناء أو التذويب بل تعيد تشكيلها أو تطويرها للتكيف مع العصر" (8) لان التشكيل آو التطوير أذا لم يستمد آلياته من مقومات الشخصية العربية وإذا لم تتوافق جينات التحسين والتطوير مع نسيج المصلحة القومية فان مقولة التكيف مع العصر ستذوب في المحلول الأمريكي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير