تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الاغتراب اللغوي والتمسح بأذيال الآخرين؟ لماذا يستحسنون تلعثمهم بلغة دخيلة ويكرهون إجادتهم للغتهم الأصيلة؟ وقد كتب الفرنسي بيرنارد كاسين، مؤسس حركة (أتاك) المضادة للعولمة، في جريدة (لوموند) الفرنسية أن "سيطرة اللغة الانجليزية موضة، وليست ضرورة". . (26)

ولا يخفى أن هذه الردة اللغوية تمثل تيار التقليد الأعمى الذي لا يرى إلا من خلال عيون الآخر وهو تيار بعيد عن التأثر الحضاري وان ادعى ذلك" وخاصة عندما ينظر أفراد هذه المجتمعات إلى الغرب باعتباره النموذج الحضاري الناجح. وإن التخلّف السيكولوجي يعبر عن نفسه لغوياً عبر تبنّي لغة الطرف القوي المتغلب ومحاولة تقليده. (27) ولا شك أن التبعية اللغوية تؤدي إلى تبعية سلوكية في تجليات الحياة اليومية فيغدو دعاة التغريب والتبعية صورة كاريكاتورية تثير السخط أو السخرية أو الشفقة، فلسانهم يتعثر بين المحصول اللغوي الأجنبي الهزيل والمخزون اللغوي القومي الوافر، ونمط معيشتهم من حيث المأكل والملبس والمشرب يتأرجح بين صناعة الآخر وثقافة الفلكلور القومي ويؤدي هذا التعثر والتأرجح إلى انفصام لغوي وثقافي " وأخطر ما في هذا الشعور بالدونية هو التطاول على خصائص الشخصية القومية والانحياز إلى ثقافة الاستهلاك، ثقافة الجينز والهمبرغر والجنس الرخيص وذلك ضمن التوحيد النمطي للثقافة العالمية: التلفزيون الأمريكي، الموسيقى الأمريكية، الطعام الأمريكي، اللباس الأمريكي، الأفلام الأمريكية، عالم والت ديزني. (28) "

فلو تاملنا الرجال والنساء والأولاد الذين يرتدون قمصاناً من كاليفورنيا وقبعات تكساسية وكسكيت لاعبي البيسبول وقمصان تحمل علامة إحدى الجامعات الأمريكية أو برمودا من فلوريدا سنحصل على صورة دقيقة عن خضوع الكرة الأرضية لقواعد اللباس الأمريكية. (29)

وهؤلاء المتحذلقون لا يبادرون إلى قطع صلة الرحم اللغوية فحسب وإنما ينزلقون إلى هاوية الفكر لان محاولة الفصل بين اللغة والفكر محكوم عليها بالفشل إذ إن " كلّ محاولة تهدف إلى اعتبار اللغة شيئاً يمكن قياسه من الخارج من دون نظرة داخلية بالفكر إنما تبوء بالفشل وليست اللغة رصفاً من الألفاظ ولا جمعاً لمفردات دون وعي أو انتباه. اللغة "قضايا" مفيدة دالة، والقضية "حكم" ومتى قلنا "بالحكم" فقد قلنا بالربط الفكري. (30) وماذا سيقول هؤلاء إذا سمعوا أن " هيئة الإذاعة البريطانية قد رفضت إذاعة برنامج (شارع السمسم) الذي أنتجه الأمريكيون لأنه برأيها سيحمل إلى أطفال بريطانيا قيماً غريبة عنهم ... (31)

أما فريق الأصالة فقد وعوا أمرين، الأول: خصوبة اللغة وقدرتها على التصدي للزحف اللغوي الأجنبي وقد أثبتت قدراتها في كثير من المحطات التاريخية التي حاولت فيها لغات المستعمرين على أرض اللغة الأم ولغات القوى الخارجية عبر وسائل عديدة أن تكون بديلا عن اللغة الأم " ولقد دلت العربية خلال قرون طويلة أنها صاحبة مناعة تحميها من التأثيرات الغريبة عن خصائصها الموروثة وذلك لأحكام "نظامها ومتانته، فلم تسمح للفظ الغريب أن يدخل الخلل على نظامها، والفساد على قواعدها، ولذلك صهرته وغيرت معالمه حين قبلته" (32)، كما أن خصوبتها وقدرتها على التجدد والتوليد ينبعان من ذاتها مما يكسبها صفة الديمومة والقدرة على المواجهة إذ إنها" تتميز عن غيرها من اللغات اللاتينية كونها لغة ترد إلى ميزان صرفي، فهي نتيجة لذلك تتميز بالتجدد، إنها لغة اشتقاقية، أمّا اللغات الأخرى فهي تركيبية ذلك لأن اللغات الهندية الأوربية هي لغات لا تعتمد كثيرا على الاشتقاق، وإنما تعتمد بالدرجة الأولى على ظاهرة التركيب، أي تركيب كلمتين أو أكثر (33). والأمر الثاني: براءة اللغة من العجز والتقصير في مجالات العلوم التطبيقية، لان التقصير ناجم عن أهل اللغة لا عن اللغة" وما أكثر الكتب العربية التي غزت أوربا وعلمتها ودربتها على البحث والتجربة. ففي الطب عرفت أوروبا كتاب القانون لابن سينا، وكتاب الحاوي لأبي بكر الرازي، ومفردات ابن البيطار في الأدوية. وفي الكيمياء عرفت أوروبا رسائل جابر بن حيان، وفي الرياضيات عرفت كتاب الخوارزمي، حساب الجبر والمقابلة" وفي الجغرافية عرفت كتاب "نزهة المشتاق لاختراق الآفاق للشريف الإدريسي". (34) وما زلنا نسمع عن تأثير الحضارة العربية الإسلامية على النهضة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير