ولا نقصد بالمشارِكات الملابِسات، إلا تلك التي كرهها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونعَض عليها نحن اليوم بالنواجذ، من "الأمهات" و"المتون"، ومما نعظمه تعظيماً، فلعمرو الله ما أعقل أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولعمرو الله كم عندنا مما يخشون ويكرهون، من المذاهب والفروع، ومن "أمهات الكتب" المزاحمة لأم الكتاب!. فأيم الله، ما كُتب كتاب إلا نازع القرآن، ولو أن تنظر فيه!. ومن ارتاب بقولنا، أو شك فيه، فليعد النظر في حديث نبي الله -صلى الله عليه وسلم-:
"أَلاَ إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُتْلَى الْمَثْنَاةُ فَلاَ يُوجَدُ مَنْ يُغَيِّرُهَا. قِيلَ لَهُ: وَمَا الْمَثْنَاةُ؟ قَالَ: مَا اسْتُكْتِبَ مِنْ كِتَابٍ غَيْرِ الْقُرْآنِ"!.
لأجل نصيحة الدين، يوم اجتمع نفر من المؤمنين على عهدٍ بينهم، في محراب بيت المقدس في المسجد الأقصى، في التاسع من ذي الحجة، يوم عرفة من عام 1425 للهجرة، نصرة لكتاب الله، وتقديمه ورفعته، على ما يزاحمه من متون الناس والمعلِِّمين والدارسين، وأن يُخرج القرآن من كهف الصرف، الذي حصره في التجويد والتزيين، دونما ورود لحوض الحياة فيه، واستبصار بسرجه ونوره وإمامته.
أو كمن جعله فقها يبساً، أحكاما وحدوداً، تاركاً هاجراً كثيره وثقيله من البينات والعبر والأمثال الشاملات المفصلات، فيكفي أن تقيس عدد كتب الفقه إلى ما سواها من عدد التدبر في العبرة والقصص، والذكر الحكيم!.
فجاء "أهل القرآن" لتتقدم كلمة الله على كلمات الناس، عالمهم وجاهلهم، إماماً كان أم تابعاً، وليصبح القرآن شاغل الناس الأول والأوسط والأخير، يتحلقونه كما تتحلق الإبل المساقي، فما لم يكن عند أبي بكر وعمر من "المصنفات"، فلا حاجة لـ"أهل القرآن" بها، إلا ما جُمع من صحيح السنة، فهو حق المؤمنين في البلاغ، ومن خالف هذه اليسيرة الكبيرة، فقد خالف صريح النبوة والكتاب، وما عليه الأصحاب، وجادل بالباطل ليدحض به الحق، واتبع هواه، وزعم أن القرآن والسنة الخالصة، لا تهدي كفاية بذاتها، ولا يؤمَن على من استهدى بها، فلا بد لها من شريك معين!.
ثم ليتحمل كل مؤمن حظه من قراءته -هو بنفسه- لكلمة الله، فيقرأه بقلبه هو، وعينه هو ?أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا?. ناظراً متدبراً مجتهداً حياته كلها لكلمة الله، واهبة الحياة والنور، ?أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ?. غير متعبدٍ لأحد سوى إلهنا وسيدنا العليم الحكيم، تقدست أسماؤه.
بوضوح وجلاء ..
نريد لكل مستطيع ذي عقل وبصيرة، أن ينظر ويتدبر ويدّكر، بما أعطاه الله من العقل والقلب، غير معتكف ولا ملتجم بمقالة السالفين والآخَرين، دونما شك ولا طعن بخيرهم وصلاحهم!، فأن تطالع كتبهم شيء، وأن تتعبد بها شيء آخر، واستعباد العقل شر من استعباد الجسد!.
فلا ضير من مطالعة مقالة المؤمنين والعلماء، فلا بد فيها من علمٍ حق، كما لا تخلو من الزلل والخطأ، ولربما حوت فساداً فاحشاً!. فالتخفف منها والتكثّر من القرآن، هو الأصل عند "أهل القرآن".
فنريد أن نقرأ كلام الله من كتاب الله نفسه، لا من كتب الناس، ولو كانت مشيخة التفسير واُمهاتها، ثم إن عازنا شيء، تخيّرنا الأحسن، ولكن لا نبدأ بالكتب والتفاسير قبل النظر الخالص في كتاب الله!. فقد كان القرآن وكان محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولم يكن تفسير ولا مصنفات، وكانت كلمات النبي بذلاً للخاصة والعامة، وكان الخير تميماً عميماً. ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا?. ثم جاء التفسير، ودخله الزلل والخلل!.
فلا يُرجع للعالم إلا بما فاتنا من علم بـ"النص الخالص" لآيات الكتاب، أو سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما سوى ذلك فهو تأويله وفقهه ومذهبه، نأخذ ونترك بالميزان.
¥