هنا شعرت بأن نبرة السخرية قد بدأت تظهر في أسلوب خطاب أبي معي! .. ولذا حاولت أن أصرفها بكل قواي!! ..
قلت: أهمية الموضوع فوق ماتتصور ياأبي! ..
بدت على أبي علامات الاستغراب! .. ولكنه لازال صامتاً!! ..
أتممت قائلاً: وأنا أظن أن هذا الموضوع سيصرفني عن الاهتمام بدراستي مستقبلاً!! ..
لقد كانت هذه العبارة كافية بأن تثير اهتمام أبي إلى أقصى حد!! .. وحينها أدركت جيداً أنني قد أتحلى بالذكاء في بعض الأحيان!! ..
قال أبي: ماهذا الأمر يابني؟ ..
قلت: سأخبرك بهذا الموضوع ياأبي .. ولكن أرجو أن تصغي إلي جيداً! .. وأن تدرك أن كل حرف أنطق به يخرج من أعماق قلبي!! ..
وفي هذه الأثناء انتبهت إلى أن أمي واقفة عن باب غرفتي منذ مدة يبدو أنها ليست باليسيرة! .. وكان وجود أمي كفيلاً بأن يزيد معدل الحماس لدي! ..
أذكر أنني انطلقت في الحديث مع أبي حتى طال الوقت! ..
لقد قلت كلمات كثيرة ومتوالية! ..
وكان مما قلته لأبي: أبي .. لقد كنت تحدثني دائماً عن أساليب الأعداء في غزو المسلمين .. وعن اهتمامهم البالغ بإفساد شباب الأمة .. حيث أنهم قلبها النابض، وعدة مستقبلها المشرق .. وكنت تحدثني عن تفننهم في اختراع الأساليب والطرق لاستدراج الشباب ..
ولقد كان لحديثك عظيم الأثر على نفسي _ فلا حرمك الله عظيم الأجر _ ..
ولكن ياأبي .. (ثم توقفت لاأزيد من اللعب بأعصاب أبي! .. وهنا اكتشفت أن حفلات " الجوالة " التي كنت أراها كثيراً قد آتت أكلها في أسلوب تمثيلي الآن!! .. ) ..
قال أبي: ولكن ماذا يابني؟ ..
قلت: ولكني صرت أشعر منذ زمن ليس باليسير، أن كارثة توشك أن تحيط بي!! ..
قال أبي: وماهي هذه الكارثة _ حماك الله منها يابني _؟ ..
قلت: أبي .. لقد صرت أشعر بأن مستوى إيماني آخذ في الانخفاض! .. عذراً .. لاتستعجل ياأبي! .. أبي .. أنت تعلم أنني قد بلغت من العمر إحدى وعشرين سنة .. ومعنى ذلك أنني قد دخلت في مرحلة الرجولة منذ زمن ليس باليسير _ كما لايخفى عليك ياأبي _!! .. وأنت تدرك ماالذي يصاحب هذه المرحلة من تغيرات!! ..
ولذا فدعني أصدقك القول الآن ياأبي!! .. أبي .. لقد صرت أخشى أن أقع فيما يغضب الله علي! ..
(وهنا لاحظت أن حاجبا أبي اللذان كانا مرتفعين، صارا يعاودان انخاضهما وبكل هدوء!! .. فقررت أن أستمر في حديثي بكل ماأملك من قوة!!) ..
قلت: أبي .. لاأظن أنه يخفى على مثلك أن فتنة النساء هي أعظم الفتن! .. ولاأظنه يخفى عليك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن أول فتنة في بني إسرائيل كانت في النساء " .. أبي .. لقد أصبحت رجلاً ياأبي! .. ولدي من الأماني مالدى كل رجل! .. أبي .. لقد صارت فتنة النساء في وقتنا أعظم منها في وقتكم!! .. لم تكن في وقتكم قنوات تنقل صور النساء الكاسيات العاريات! .. لم تكن في وقتكم تلك المجلات التي لاتظهر من صور النساء إلا ماأثار الغرائز وماحرك المكامن! .. ولم تكن النساء في وقتكم يزاحمن الرجال في الأسواق! .. ولم يكن في وقتكم " الإنترنت "، والذي صار كفيلاً بإظهار مالايظهر! .. كل ذلك لم يكن في وقتكم! .. ولكنه صار في وقتنا موجوداً وبكثرة!! ..
أبي .. أبي! .. أبي!! .. كن عوناً لي على الثبات على دين الله، و ..
و (زوجني) ياأبي!! ..
ثم صمت بعد ذلك .. وساد الصمت جميع الغرفة ..
كانت نظرات أمي إلي مليئة بالرأفة والشفقة!! .. أما أبي فقد سحب كرسيي وجلس عليه! ..
كانت هذه اللحظات أثقل علي من جبل ( ... ) المشهور في بلدتي!! ..
كنت كمن اتهم بالقتل وهو براء منه، وهو ينتظر حكم القاضي عليه!! ..
وبعد عشر دقائق، كانت علي كعشر ساعات ..
رأيت أبي يبتسم وهو يرفع رأسه!! ..
كدت أطير من الفرح! ..
قال أبي: بني يامحمود .. أنت تعلم أن أخاك " أحمد " لم يتزوج إلا في العطلة الماضية، مع أنه قد أمضى بعد تخرجه أربع سنوات! ..
فلم لاتكون مثل أخيك؟! ..
قلت: لا أستطيع ياأبي! .. لاأستطيع!! ..
ضحك أبي كثيراً .. ثم قال: حسناً يابني .. أنا أدرك أن الأمر هام جداً _ كما تقول أنت وصديقك " صلاح "! _ .. ولكن دعني أسألك سؤالاً هاماً أيضاً! ..
أجبته بسرعة: تفضل ياأبي! ..
قال أبي: من هي صاحبة الحظ السعيد؟! ..
وهنا ..
تلعثمت وارتبكت!! ..
¥