ويَقفُ أحمد بن فارس (ت 395هـ) مَوْقفاً مُتَشدِّدَاً بشأن من يَرَى أنَّ في القُرْآن ألفاظاً أَعْجَميَّة، وهو يَتَبَنَّى مَوْقِف أبي عبيدة: "فالقَوْلُ ما قاله أبو عبيدة بوضوح عند تَأْويله له" () ويقول: " أنَّ القُرْآن لو كان فيه من غِيْر لُغَة العَرَبِ شيء، لتَوَهَّم مُتَوهِم أنَّ العَرَب إنما عَجِزَت عن الإتْيان بمِثله؛ لأنَّه أتَى بلُغَات لا يَعرفُونَها وفي ذلك ما فيه" ().
ومن المُحْدَثِين أحمد محمد شاكر في مُقَدِّمَة كتاب "المُعَرَّب للجواليقي" الذي يقول مُعَلقَاً على كلمة القُِرطَاس في أنَّ أصلها عَرَبِيُّ:" هذا قَوْل شاذُّ، لم يَحْكِه غير المُؤَلف فيما أظن، والقَرْطَاس كلمة قُرْآنيَّة، () وعبد العال سالم مكرم ().
وفَسَّر أبو عبيدة (ت 210هـ) وجود هذه الأَلْفَاظ التي يُعْتَقَدُ أنَّها أَعْجَميَّة أنَّه من قبيل تَوافُق اللغات "وقد يُوافِقُ الَّلفْظُ الَّلفْظَ ويقاربُه، ومعناهما واحد وأحَدَهُما بالعربيَّة، والآخر بالفَارِسيّة أو غيرها فمن ذلك الإِسْتَبْرَق بالعربيَّة وهو الغَليظُ من الدِّيْبَاج والفِرِنْد وهو بالفَارِسيّة إسْتَبْرَه ().
وقد أَفْرَدَ الطَّبَريّ (ت 310هـ) في تفسيره عُنْوانَاً حول هذا المَوْضُوع: " القَوْل في البيان عن الأَحْرُف التي اتفقت فيها ألفاظ العَرَبِ وألفاظُ غيرها من بَعْض أجناس الأُمَم" (). فقد انطلق من مَبْدَأ اتِّفاق تَوارُد اللغات في القُرْآن، وهو يَرَى أنْ نُحدِّدَ أنَّ الَّلفْظ الأَعْجَمِيّ اتَّفَقَ في لفظه ومعناه مع العَرَبيّ, فيقال عَرَبِيُّ وأعْجَميُّ أو حَبَشيُّ, استَعملتْه كل أمَّة، وهذا المبدأ يقوم على أنَّ "في القُرْآن من كل لسان (). وقد احتجَّ هذا الفريق بالآيات القُرْآنية التي تَنُصُّ صراحة على عَرَبِيَّة القُرْآن الكريم، فقد بَلَغَ عدد الآيات التي نَصَّت على عَرَبِيَّة القُرْآن إحدى عَشْرة آية () ومنها قوله تعالى:" إنا جعلناه قرآناً عربياً " (الزخرف:3).
وخُلاصَة القَوْل: أنَّ القُرْآن الكريم فيه لُغَات العَرَب، ولغات غيرهم، لكنها غَدَت جُزْءَاً لا يَتَجَزَّأ من العَرَبِيَّة؛ لأَنَّها جَرَت على أوْزَانِها، وخَضَعَت لمقاييسها، حتى تَأصَّلت في الِّلسان العَرَبيّ. والألفاظٍ المُعَرَّبة في القُرْآن الكريم، لا تَخِلُّ بعربيَّة لسانه، ولا تَخِلُّ بقداسته أو إعجازه.
والحقيقة التي لا مِراءَ فيها هي" أنَّ بلاغةَ الأَلْفَاظِ المُعَرَّبةِ التي دخلت القُرْآن الكريم، إنَّما كانت في نفسها، حيث لا يقوم مقامها لفظ، ولا يُغْني غيرها عنها في مَوْقِعها من نَظْمِ الآيات" ().
الاتجاه الثَّالث:
وهو الذي أَخْتَارُهُ وهو ما ذَهَبَ إليه أبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224 هـ)، وهو رَأْي تَوْفيقِيُّ بين الرافض لوقوع المُعَرَّب، والقائل بوقوعه في القُرْآن الكريم. حيث وفَّق بين الرأيين السابقين، قال: " والصواب عندي – والله أعلم – أنَّ هذه الأَحْرُفَ أصُولُها أَعْجَميَّة، إلاَّ أنَّها سَقَطت إلى العَرَبِ فعرَّبتْها بألسنتِها وحَوَّلتْها عن ألفاظ العَجَم إلى ألفاظِها فصارت عَرَبِيَّة ثم نزل القُرْآن، وقد اختلطت هذه الأَلْفَاظ بكلام العَرَبِ، فمَنْ قال بعربيَّتها فقد صَدَقَ، ومن قال عَجَميَّة فقد صدق ().
ـ[سليمان الأسطى]ــــــــ[27 - 12 - 2007, 09:42 م]ـ
أشكركما جزيل الشكر و بارك الله فيكما.
و لكن لماذا لا تكون تلك الكلمات عربية الأصل اقتبستها اللغات الأخرى في حقبة سحيقة.