مواصلةً لما بدأنا به من إقامة للوجوه، وإسلامها لله المجيد، فإن للصلاة دوراً أساساً في ذلك، فالصلاة الفرض الوحيد الذي ذكره الله إقامةً، "أَقِيمُوا الصَّلاةَ"، وفي الصلاة توجه الوجوه للحي القيوم ذو الجلال والإكرام " .. وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ .. " وكما صح من دعاء رسول الله عليه الصلاة والسلام في الصلاة، "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين .. "، فنكون في الصلاة أفضل ما نكون فيه من قيام، وتوجيه للوجوه، وإسلام لله العزيز العليم، فنحمد الله على دعاء أبينا إبراهيم عليه السلام، "رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ"، فليس غريباً أن يجمع الله لنا بين الصلاة والمقام، " .. وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى .. "، نقرأ، "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" و "قُلْ يَا أَيُّهَا اٌلكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ" إتباعاً واقتداءً لما كان عليه إبراهيم عليه السلام من ملة التوحيد الخالصة لله الواحد.
إشارة في اسم القيوم.
اسم القيوم ذكره الله القيوم في كتابه الكريم ثلاث مرات، في البقرة وآل عمران جاء مرتبطاً مع التوحيد الخالص لله، "اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ"،
وفي الثالثة في سورة طه، "وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا"
القيوم مقابل الشرك، ومن أظلم ممن أشرك بالله، "إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ"،
فالإشارة أن اسم الله القيوم جاء مع شهادته لنفسه، وشهادتنا له لا إله إلا هو الله القيوم.
مِلاك ذلك كله!!
مقام الله القدوس الصمد في آية سورة الرحمن، "وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ"، ففيما صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُصُّ عَلَى الْمِنْبَرِ "وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ" فَقُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّانِيَةَ "وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ" فَقُلْتُ الثَّانِيَةَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّالِثَةَ "وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ" فَقُلْتُ الثَّالِثَةَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ "نَعَمْ وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ ".
فما مقام الله الذي إذا خفناه أدخلنا الجنة؟
الجواب نجده في سورة النساء، "إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا"، فيغفر الله لمن يشاء، وإن زنى وسرق، ولكن لا يغفر أن يشرك به لا إله إلا هو.
وما صح من حديثي رسول الله عليه الصلاة والسلام يوضحان ذلك،
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ ـ رضى الله عنه ـ حَدَّثَهُ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهْوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ " مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ، إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ". قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ " وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ". قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ " وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ". قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ " وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ ".
وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه، ربط جميل مع حديث أبي الدرداء رضوان الله عليه، الذي أعاد السؤال نفسه ثلاث مرات، وكانت إجابة المُعلَّم الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام، تأكيداً على أنه يدخل الجنة، وإن زنى وإن سرق، فأن تموت على لا إله إلا الله يدخلك الله الواحد الصمد الجنة "وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ".
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " قَالَ لِي جِبْرِيلُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَوْ لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ، قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ ".
فأعلى مقام الخوف، هو للمقام القدوس، أن لا نشرك بالله شيئاً، مخلصين له الدين حنفاء، ملة أبينا إبراهيم، ومقامه في الناس إماماً، " .. قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا .. "
وكذلك ذِكرُ المقام لله في سورة إبراهيم، "وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ" فأن يذكر الله العليم الحكيم مقامه في الرحمن وإبراهيم لهو آية بينة لما وجّهنا إليه.
والثالثة بعدما ذكر الله الواحد القهار فرعون الذي ادعى الألوهية والربوبية في النازعات "وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى"
اللهم اجعلنا من ورثة جنة النعيم.
الخلاصة
آية مقام إبراهيم، ما كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام قائماً عليه من ملة التوحيد حنيفاً، فأقام له البيت الحرام، وأشعره بالمقام البيِّن!
"فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ"
اللهم ربنا أحينا وأمتنا على ما كان عليه أبونا إبراهيم عليه الصلاة والسلام من الملة أن نكون حنفاء مخلصين لك الدين إلهنا وربنا الملك الحي القيوم.
اللهم هذا مبلغنا من العلم فاغفر لنا خطأنا وزلتنا
والحمد لله رب العالمين.
رامي داود عيسى العبيدي
Abu_abdalrhman1428*************
تعليق أخينا الشيخ صلاح الدين أبو عرفة.
اطلعت على دراسة أخينا رامي داود، فاستحسنتها خلا قليل معذور، وإنه من يُمن الفأل أن تكون المشاركة الأولى عن مقام أبينا إبراهيم، وحَجَر الدين وحِجر الملة الأولى، فاستعن بالله ولا تعجِز، إنه من يهدي الله فلا مضل له.
صلاح الدين إبراهيم أبو عرفة
رمضان 1428
¥