تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[هم يحسدونه]

ـ[محمد بن إبراهيم الحمد]ــــــــ[19 Jan 2009, 02:06 م]ـ

[هم يحسدونه]

في إحدى المناسبات كان هناك مجموعة من الفضلاء، ودار الحديث عن موضوعٍ ما، وكان لأحد الحاضرين وجهة نظر في ذلك الموضوع، وهناك من يخالفه في تلك الوجهة.

والأمر _على كل حال_ يسير جداً لا يستدعي نزاعاً ولا شقاقاً.

فبدأ صاحب الوجهة يتكلم، ويقول: إن الحق معي، وإن من يخالفني مخطئ، وأنا محاربٌ محسودٌ، وهذا شأن الناجحين في كل زمان ومكان.

وقد قال ذلك مع أن الأمر _كما مر_ يسير؛ فدل ذلك على عيب نفسه، وكان سبباً لانتقاص الآخرين له.

ولو تكلم عنه غيره، وقال: إن فلاناً محسود محارب _ لربما كان ذلك مستساغاً.

فإذا ما قال ذلك عن نفسه كان ممجوجاً غير مقبول خصوصاً في أمور يسيرة.

وهذه آفة تعتري بعض الناس ممن يُقَدَّر لهم النجاحُ أو شيءٌ منه، والنجاحُ في أي مجال يحتاج إلى حفظٍ، ورعاية.

ولا يكفي في نجاحِ الإنسان أو نبوغِه مجردُ ذكائه وعبقريته، بل يحتاج مع ذلك إلى عقل راجح سليم، وخلق فاضل كريم، ونظر في العواقب بعيد؛ حتى يحافظ على نجاحه، ويتجنب الغرور والمزالق, واستعداء الآخرين.

ومع ذلك فقد لا يسلم من ناقد أو ناقم أو حاسد، ولكن ذلك لا ينبغي أن يثني الناجح عن مراده.

ومما يعينه على ذلك ألا يشتغل بنفسه كثيراً ولا بخصومه، بحيث يبدأ بمنافرتهم, واستعدائهم.

ولا يظنَّ أن كلَّ نقد يوجَّه إليه أنه ناتج عن حسد وضغينة, لا، بل قد يكون اختلافاً في وجهات النظر.

بل يحسن به أن يواجه الاعتراض، والحسد، والنقد بنفس مطمئنة، وحسن ظن بالآخرين، وحسنِ تعاملٍ مع الإساءة؛ فذلك أزكى لنفسه، وأسلم لقلبه، وأضمن _بإذن الله_ لاستمرار مسيرته، وأدعى لتقليل خصمه، أو كسر شوكته.

ثم إن من الناس من يُدَسِّي نفسه، ويقمعها، وينزلها منزلة لا تليق بها مع أنه قادر على النهوض بها، وأنه يملك كثيراً من المقومات التي ترفع من شأنها.

وإذا قيل له في ذلك اعتذر بأن الناس من حوله يقفون في طريقه، وأنه ربما يواجهه اعتراضاً أو انتقاداً، وحسداً

وربما ردَّد مقولة قديمة وهي قولهم: زامر الحي لا يطرب، أو ردَّد كلمة معاصرة، وهو قولهم: من عرفك صغيراً حقرك كبيراً.

وقد يكون لمثل هذه الأعذار رصيد من الصحة، ولكن لا ينبغي أن تحول بين الإنسان ونيل المعالي، والسعي لاكتسابها؛ وهل الناجحون في كل زمان أو مكان إلا ممن مر على تلك الجسور، وجاوز هاتيك القناطر؟

وخلاصة القول في ذلك أنه لا يحسن بالعاقل أن يشتغل كثيراً بما يقال عنه إذا لم يكن حقاً، أو لم يكن مراداً به النقد الهادف؛ فإذا كان كذلك فعليه الاستفادة من هذا النقد حتى يرتقي.

وأهم من ذلك ألا يسترسل مع الأوهام التي تنسج خيوطها في ذهنه، وتمد أشعتها في خياله، فتشعره بأنه محسود يُتَربَّص به الدوائر، ويُنْتَظر به ريبُ المنون.

وهذه الأوهام ربما تورثه الغرور، والتيه، والتعالي على الآخرين؛ فيرى أنه أرفع منه، ويفسِّر كل تصرف أو اعتراض منهم على أنه ناتج عن حسد، أو غيره.

وربما تقعد به عن المعالي، وتصده عن الترقي في درج المكارم؛ فكلما همَّ بمكرمة قالت له نفسه: مهلاً؛ فأمامك حسادٌ، ووشاة سيقفون في طريقك، ويضعون أمامك عراقيل لا طاقة لك بها.

وهكذا تضيع الفرص، وتُوأد المواهب:

ولم أرَ في عيوب الناس عيباً ... كنقص القادرين على التمام

ـ[عمر المقبل]ــــــــ[19 Jan 2009, 03:00 م]ـ

بارك الله فيكم د. محمد على هذه الخاطرة الجميلة، التي لم تزيدني فيككم إلا بصيرة بما آتاكم الله من عقل راجح، وقدرة فذة على التعليق على أمثال هذه المواقف لتقويم الأخطاء والسلوكيات ..

ـ[يزيد العمار]ــــــــ[19 Jan 2009, 04:39 م]ـ

بارك الله فيكم شيخنا الكريم ونفع بكم, وما أحوج المرء لملاحظ إخوته وتصويبهم له.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير