تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الشيوخ على الطريقة الأمريكية]

ـ[أبو الخير صلاح كرنبه]ــــــــ[26 Mar 2009, 08:26 ص]ـ

الثلاثاء28 من ربيع الأول1430هـ 24 - 3 - 2009م الساعة 12:19 ص مكة المكرمة 09:19 م جرينتش

[الشيوخ على الطريقة الأمريكية]

شريف عبد العزيز

[email protected]

مفكرة الإسلام: [في العالم الإسلامي المعاصر ألوان من الصراع تستحق التأمل و الدراسة، وإذا كان الصراع السياسي والاقتصادي هو أبرز ما يثير الانتباه، ويلفت النظر، ولكن عند التأمل العميق نجد أن الصراع الديني و الثقافي هو أهم وأخطر أنواع الصراعات، وأعمقها أثراً، وأنكاها فعلاً، ذلك لأنه بطيء في سريانه، وفي تفاعله، ولكن في نفس الوقت طويل المدى في تأثيره، فالتغير الديني والثقافي إذ ما تم واستقر في الحس، وتكرر علي الأذهان والأجيال، فإنه يكون عميق الجذور، صعب العلاج، لأنه لا يهجم على العقل والنفس دفعة واحدة، ولكن النفس تتشربه آناً بعد آن، ويسري فيها سريان الغذاء في الأبدان].

هذه الكلمات النفيسة كتبها الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله في كتابه الهام الإسلام والحضارة الغربية منذ زيادة عن أربعين سنة، محذراً فيه من أساليب الغرب في خلخلة البنية الأساسية لمعاني ومبادئ وقيم الدين الإسلامي لدي الشعوب المسلمة، وقد لاحظ رحمه الله أن موجات التغريب العاتية تستهدف لب الإسلام، وتخطط لتطويره ونزع أشواكه بزعمهم ليصبح دينا محلياً وليس ديناً عالمياً، ويصبح لكل بلد دينه وطريقته في فهم الإسلام وتطبيقه، ومن ثم يكون عندنا إسلام مصري وآخر سوري وثالث خليجي، ورابع هندي، وخامس أوروبي، وهكذا وفي النهاية تضيع معالم الدين الحقيقية، ويفقد المسلمون مصدر قوتهم، وأصل عزتهم، وأهم أسباب البقاء والممانعة، ثم ينشغل المسلمون بصراعات جانبية وداخلية، بسبب اختلاف الرؤى بين أتباع الإسلام علي الطريقة المصرية والسورية والهندية والخليجية، ويصيب الأمة ما سبق وأصاب أهل الكتاب من قبلنا من اختلاف واقتتال كما قال الله عز وجل في محكم التنزيل، وهل جمع الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وعن كل صحابي القرآن علي لسان قريش، وحمل الناس عليه إلا درءاً للاختلاف و الفرقة التي ستقودهم للفتنة العمياء والاقتتال الذي حل بأهل الكتاب من قبلنا.

واليوم وبعد مرور السنوات الطويلة علي هذا التحذير، ما زالت أمريكا رأس الصليبية العالمية تمارس نفس المخطط ضد العالم الإسلامي، ومازالت تستهدف الإسلام بالتطوير والتعديل والتبديل،وذلك بالتواكب مع حملة أوروبية محمومة،تقودها الأحزاب اليمينية والقوى الراديكالية، والتي تطالب مسلمي أوروبا بالاندماج الكامل أو بمعني أدق الذوبان التام داخل مجتمعاتهم الأوروبية، وآخر هذه الحملات الأن يقودها حزب رابطة الشمال الإيطالي المعروف بعدائه الكبير للمسلمين و المهاجرين، والذي يطالب مسلمي إيطاليا بضرورة الصلاة والآذان بالإيطالية.

أمريكا قررت أن تقود حملات متقدمة لتطوير الإسلام داخل بلادها، فقد هددت عشر منظمات إسلامية أمريكية بعدم التعامل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، علي خلفية اتهامات للمكتب الأمني بزرع جواسيس وعملاء داخل المساجد والجوامع بولاية كاليفورنيا، وقد قالت هذه المنظمات أن المكتب الفيدرالي قد قام بتعيين عدد من جواسيسه وعملائه داخل المساجد في مناصب دينية، مثل الخطابة والإمامة ومقيمي الشعائر، ودعاة وعظ وإرشاد، وذلك لأهداف آخري بخلاف التجسس ونقل الأخبار، منها ترويج معلومات خاطئة عن الإسلام بين رواد المساجد خصوصاً حديثي الإسلام، ومنها تشويه صورة بعض الدعاة والمشايخ والعلماء، ووصفهم بأوصاف إجرامية وإرهابية للتنفير منهم، ومنها تمييع الإسلام في قلوب أتباعه بتحريض المسلمين من رواد المساجد علي التخلي عن واجباتهم الدينية من الصلاة والصوم والزكاة.

ولنا أن نتفهم بعض ما يشعر به الأمريكان من شعور بالصدمة المروعة منذ أحداث سبتمبر، والفزع الذي مازال يحكم تصورات الكثيرين من الأمريكان، كما لنا أن نقدر مرارة الشعور بالفشل الذريع في ملفات عدة مثل الملف الأفغاني والملف العراقي وغيره، والكوارث الإقتصادية التي حلت بأقوى دولة في العالم نتيجة مغامرات الحروب الإستباقية التي شنتها إدارة الفشل الذريع بقيادة بوش الصغير، لنا أن نتفهم ذلك كله وأن أمريكا بحاجة للأمن الداخلي واستعادة الثقة التي اهتزت كثيراً، ومن ثم راحت تراقب المساجد والجوامع وأماكن عمل المسلمين ومنازلهم، بعد أن وسعت دائرة الإشتباه ليصل لزيادة عن مليون مسلم، ولكن الذي لا يمكن تفهمه أو السكوت عليه أو اعتباره من دواعي الأمن القومي والسلام الداخلي، ما يقوم به جواسيس ال FBI داخل المساجد والجوامع من إفساد للدين وتشويه صورته وطمس معانيه، وتمييع واجباته، وشغل المسلمين الأمريكان بصراعات داخلية، فأن ذلك كله لا يندرج تحت مسمي الأمن القومي والحفاظ على الكيان الداخلي، وليس له معني ولا مسمي سوى الحرب السافرة علي الإسلام، والتي لا تذكيها سوى الأحقاد الصليبية الصريحة، والعداء الديني المحض، والرغبة العارمة في محو الدين الإسلامي أو على الأقل تطويره ليناسب قيم المجتمعات الغربية والأمريكية، ونستطيع أن نقول بكل قناعة أن هذه الخطوة من جانب المسئولين الأمريكان يجب أن تضاف لسجل أخطائهم وغباواتهم في التعامل ليس مع العالم الإسلامي، ولكن مع الإسلام نفسه، فالإسلام مهما كاد له رجال ال FBI وغيرهم، وخططوا لتطويره وتمييعه، سيبقي صامداً شامخاً أمام كل هذه المحاولات المسعورة للنيل منه، وذلك لأنه و بمنتهى البساطة دين الفطرة السوية، والهداية النقية، والذي قد تكفل الله بحفظه وصيانته، وقيض له من أجل ذلك على مر العصور رجالاً حملوا راية الدفاع عنه وحما يته والذب عن حياضه، وغاية ما تناله الغباوة الأمريكية من كل هذه الحملات المسمومة سوى مزيد من الصمود والمقاومة والرفض، ليس من جانب العالم الإسلامي فحسب، ولكن من جانب مسلمي أمريكا أنفسهم الذين أيقنوا أن الشيوخ والدعاة على الطريقة الأمريكية لن يأتي من ورائهم إلا كل شر.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير