تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أدب التعقيب - رغداء زيدان]

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[22 Mar 2009, 01:39 ص]ـ

أدب التعقيب

رغداء زيدان

المصدر: موقع الوحدة نقلا عن الشهاب ( http://www.alwihdah.com/view.php?cat=1&id=1767)

المنتديات العربية على شبكة الأنترنت تتميز بميزة ملفتة، وهي تشعب وتنوع أقسامها، بصورة كبيرة، فمن قسم للأدب وما فيه من شعر ونثر، وقسم للدين، وآخر للسياسة، وغيره للعلوم والتكنولوجيا، وصولاً إلى الأسرة، حتى الترفيه والرياضة وووو ...... إلخ.

هذا التنوع يثير في النفس التساؤل حول ما يُقدّم في هذه الأقسام من مواضيع ومدى أهميتها ومطابقتها للإختصاص الذي تُقدّم من خلاله، ومدى تفاعل الأعضاء معها، وكيفية عرض الآراء المختلفة والتعليقات المتنوعة حول موضوع ما.

وبنظرة عامة نجد أن هناك مقالات مختلفة منها الجاد والسطحي والتحريضي، الهام والتافه، الذي يحمل أفكاراً هادفة، والذي يهاجم فقط ...... مواضيع متنوعة وكثيرة. ولسنا الآن في معرض تقييم هذه الظاهرة مع ما فيها من ارتجال وعشوائية بعيدة عن أي هدف أو غاية تثقيفية مدروسة، ولكنني سأركز على أمر آخر، وهو طريقة التعليق والتعقيب على هذه المقالات والمشاركات.

هناك مواضيع تُقدّم في المنتديات تكون جادة ومهمة، تطرح أفكاراً جديدة، ولكننا غالباً لا نجد إلا قليلاً من المشاركين الذين يتفاعلون معها ويستشعرون أهميتها، ويحاولون الإضافة إليها أو التعقيب عليها، أو نقدها والإختلاف معها. ولذلك أسبابه، ومن أهم هذه الأسباب عدم الإحاطة بالموضوع المطروح، أو عدم التفكير فيه سابقاً، أو عدم امتلاك الإمكانات اللازمة لفهمه وهو ما أسميه (نقص النمو الثقافي) فكما أن الطفل يتدرج في نموه حتى يصل لمرحلة النضج العقلي، فكذلك الإنسان يحتاج إلى فترة نمو يستطيع معها إدراك ما يقرأ وفهمه والتفاعل معه. فالثقافة عملية لها أصولها، وتحتاج إلى تنظيم، ومعرفة لقواعدها وطرقها.

وليس في هذا التوصيف انتقاص من أحد ومن قدرات أي قارئ، لأن الساعي لامتلاك ثقافة حقيقة يدرك أن الأمر ليس عشوائياً، وأنه كلما زادت ثقافته شعر أن رؤيته لما حوله قد اتضحت أكثر من جهة، وعرف مكامن النقص في ثقافته والتي يجب عليه تداركها حتى يعرف ما خفي عنه، ويستوضح ما غمّ عليه من جهة أخرى.

وكلنا يعرف أن أفكارنا ونظرتنا للحياة تتغير مع تقدمنا في العمر وزيادة ثقافتنا وامتلاكنا للخبرات المتنوعة، مما يجعلنا نشعر أننا صرنا أكثر قدرة على الفهم والتعامل مع الأحداث والأفكار. طبعاً أنا أتحدث عن طالب الثقافة الحقيقي، مع معرفتي بوجود أشخاص يقفون عند حد معين من الفهم لا يتجاوزونه، لا بل قد لا تزيدهم الأيام إلا جهلاً فوق جهلهم.

وبالعودة إلى موضوعنا نجد أن التعليقات التي توضع على موضوع (من النوع الذي وصفناه بالمهم أو الذي يحمل أفكاراً جادة) نادراً ما تُعرض بطريقة حضارية محترمة، تراعي آداب الإختلاف. وبما أننا كشعب عربي لم نتعود أن يهتم أحد بما نقدمه من أفكار (نتيجة تراكمات كبيرة من الإستلاب الذي ترسّخ في عقولنا فجعلنا نحتقر كل ما يصدر عنا وعن مفكرينا)، فإننا نجد أن المشاركين في النقاش والتعليقات ينقسمون إلى قسمين:

قسم يعلّق بكلمات عامة لا يقصد بها إلا إعلام الكاتب بأنه قرأ الموضوع (وغالباً لا يكون هناك قراءة). وقسم يعلّق بإسهاب، في محاولة لإبراز الفهم والتفاعل ونقد الأفكار المطروحة. وهنا نجد أنفسنا أمام نوعين من المعلقين:

1 ـ المهتمون فعلاً بالموضوع المطروح، والذين يقرؤونه بتمعن وتفكير (وهم قلّة قليلة جداً).

2 ـ والنوع الآخر هم (أنصاف المتعلمين) الذين يدخلون للتعليق على مثل هذه المواضيع وسواها، بطريقة تظهر جهلهم بالموضوع وعدم فهمهم واستيعابهم.

بالطبع فإن ما يزعج في الأمر ليس هو عدم استيعاب الأفكار وسوء فهمها فقط، ولكن الإزعاج الأكبر هو في (قلة الأدب) التي تتسم فيها هذه التعليقات، فلا يكتفي هؤلاء بمخالفة الرأي المطروح وتحميله غير مقصده (لأنهم كما قلنا لم يفهموه ولكنهم ادعوا ذلك)، بل إنهم يستخدمون ألفاظاً تدل على الاستخفاف بكاتب المقال وبأفكاره المطروحة، وقد يلجؤون إلى السباب والشتائم مما يحول الحوار إلى مشاجرة أنترنيتية مخجلة.

وإذا رحنا نبحث عن الأسباب التي تدفع هؤلاء لمثل هذه التصرفات نجد أنهم يعبرون عن حالة عامة في مجتمعاتنا، وهي احتقارنا لبعضنا البعض، وعدم التزامنا بآداب الحوار، لأن الحوار عندنا ببساطة ليس له هدف نهضوي، بمعنى أن القصد منه غالباً لا يكون الوصول للحقيقة، وإنما يكون هدفه إثبات الذات وإلغاء الآخر المخالف، بعد سحقه وتدميره.

بالإضافة إلى عدم التزامنا بفضائل الإسلام وآداب السلوك. فنحن نسمع قوله صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" فلا يزيدنا إلا إصراراً على التفاصح وإثبات الذات دون أن نأخذ تنبيه الرسول صلى الله عليه وسلم على محمل الجد حين قال: " وهل يكُبُّ الناسَ على مناخرهم في نار جَهنَّم إلا حصائد ألسنتهم".

إن التزام الأدب في الحوار والتعقيبات هو أسلوب حضاري، يدل على صاحبه بالدرجة الأولى، فحتى لو كان الموضوع المطروح يحمل أفكاراً أعتقد خلافها، فهذا ليس مبرراً لي لشتم كاتبها أو احتقاره والاستخفاف به، ولكن التصرف المقبول والمطلوب هو بيان رأيي المخالف بطريقة حضارية مقنعة، تقارع الحجة بالحجة، بأسلوب مؤدب، غايته جلاء الحقيقة، أو بيان الرأي، وليس شتم الكاتب والتعريض به أو التحريض عليه، وصدق الشاعر حين قال:

من علّم الحقَّ علمَ ذَوقٍ ... لم يُقرن الغيّ بالرشاد

لا والذي أمرناإليه ... ماعنده الخير كالفساد

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير