[فوائد من شرح الشيخ ابن عثيمين لكتاب الأربعين النووية]
ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[10 Feb 2009, 12:35 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فاستكمالاً لما تم الشروع فيه من استخراج فوائد من كتب العلامة محمد بن عثيمين عليه رحمات رب العالمين وكانت البداية بكتاب رياض الصالحين، هذا هو الكتاب الثاني كتاب الأربعين النووية على مؤلفه وشارحه رحمة الله.
الطبعة التي يتم منها النقل الطبعة الثالثة، 1425 هـ، دار الثريا.
1 ـ فإن الحافظ النووي رحمه الله من أصحاب الشافعي المعتبرة أقوالهم، ومن أشد الشافعية حرصاً على التأليف، فقد ألف في فنون شتى، في الحديث وعلومه، وألف في علم اللغة كتاب (تهذيب الأسماء واللغات) وهو في الحقيقة من أعلم الناس، والظاهر والله أعلم أنه من أخلص الناس في التأليف، لأن تأليفاته رحمه الله انتشرت في العالم الإسلامي، فلا تكاد تجد مسجداً إلا ويقرأ فيه كتاب (رياض الصالحين)، وكتبه مشهورة مبثوثة في العالم مما يدل على صحة نيته، فإن قبول الناس للمؤلفات من الأدلة على إخلاص النية.
وهو رحمه الله مجتهد، والمجتهد يخطئ ويصيب، وقد أخطأ رحمه الله في مسائل الأسماء والصفات، فكان يؤول فيها لكنه لا ينكرها، فمثلاً: (استوى على العرش) يقول أهل التأويل معناها: استولى على العرش، لكن لا ينكرون: (استوى) لأنهم لو أنكروا الاستواء تكذيباً لكفروا، فهم يصدقون به، ولكن يحرفونه.
ومثل هذه المسائل التي وقع منه رحمه الله خطأ في تأويل بعض نصوص الصفات إنه لمغمور بما له من فضائل ومنافع جمة، ولا نظن أن ما وقع منه إلا صادر عن اجتهاد وتأويل سائغ ـ ولو في رأيه ـ وأرجو أن يكون من الخطأ المغفور، وأن يكون ما قدمه من الخير والنفع من السعي المشكور، وأن يصدق عليه قول الله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات).
ولقد ضل قوم من الخلف الخالفين الذين أخذوا يسبونه سباً عظيماً حتى بلغني أن بعضهم قال: يجب أن يحرق شرح النووي على صحيح مسلم، نسأل الله العافية.
فالنووي نشهد له فيما نعلم من حاله بالصلاح، وأنه مجتهد، وأن كل مجتهد يصيب ويخطئ، إن أخطأ فله أجر واحد، وإن أصاب فله أجران.
وقد ألف مؤلفات كثيرة من أحسنها هذا الكتاب: (الأربعون النووية)، وهي ليست أربعين، بل هي اثنان وأربعون، لكن العرب يحذفون الكسر في الأعداد فيقولون: أربعون. وإن زاد واحداً أو اثنين، أو نقص واحداً أو اثنين.
وهذه الأربعون ينبغي لطالب العلم أن يحفظها، لأنها منتخبة من أحاديث عديدة، وفي أبواب متفرقة بخلاف غيرها من المؤلفات. ص7 ـ 8.
عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه).
2 ـ في قوله صلى الله عليه وسلم (ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) من البلاغة:
إخفاء نية من هاجر للدنيا، لقوله: (فهجرته إلى ما هاجر إليه) ولم يقل: إلى دنيا يصيبها، والفائدة البلاغية في ذلك هي: تحقير ما هاجر إليه هذا الرجل، أي ليس أهلاً لأن يذكر، بل يكنى عنه بقوله: إلى ما هاجر إليه. ص10 ـ 11.
3 ـ إذا قال قائل: قول الملبي: لبيك اللهم عمرة، ولبيك حجاً، ولبيك اللهم عمرة وحجاً، أليس هذا نطقاً بالنية؟
فالجواب: لا، هذا من إظهار شعيرة النسك، ولهذا قال بعض العلماء: إن التلبية في النسك كتكبيرة الإحرام في الصلاة. ص15.
4 ـ مسألة: بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم هل يمكن أن نهاجر إليه عليه الصلاة والسلام؟
أما شخصه صلى الله عليه وسلم فلا، و لذلك لا يُهاجر إلى المدينة من أجل شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه تحت الثرى، وأما الهجرة إلى سنته وشرعه صلى الله عليه وسلم فهذا مما جاء الحث عليه وذلك مثل: الذهاب إلى بلد لنصرة شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم والذود عنها. فالهجرة إلى الله في كل وقت وحين، والهجرة إلى رسول الله لشخصه وشريعته حال حياته، وبعد مماته إلى شريعته فقط.
نظير هذا قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) إلى الله دائماً، وإلى الرسول نفسه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته. فمن ذهب من بلد إلى بلد ليتعلم الحديث، فهذا هجرته إلى الله ورسوله، ومن هاجر من بلد إلى بلد لامرأة يتزوجها، بأن خطبها وقالت لا أتزوجك إلا إذا حضرت إلى بلدي فهجرته إلى ما هاجر إليه. ص17.
5 ـ قرن الرسول صلى الله عليه وسلم مع الله تعالى بالواو حيث قال: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله) ولم يقل: ثم رسوله، مع أن رجلاً قال للرسول صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، فقال: (بل ما شاء الله وحده) فما الفرق؟
الجواب: أما ما يتعلق بالشريعة فيعبر عنه بالواو، لأن ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من الشرع كالذي صدر من الله تعالى كما قال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله).
وأما الأمور الكونية: فلا يجوز أن يقرن مع الله أحد بالواو أبداً، لأن كل شيء تحت إرادة الله تعالى ومشيئته.
فإذا قال قائل: هل ينزل المطر غداً؟
فقيل: الله ورسوله أعلم، فهذا خطأ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس عنده علم بهذا.
وإذا قال: هل هذا حرام أم حلال؟
فقيل في الجواب: الله ورسوله أعلم، فهذا صحيح، لأن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمور الشرعية حكم الله تعالى كما قال عزوجل: (من يطع الرسول فقد أطاع الله). ص21.
هذا ما تيسر إيراده وبقية الفوائد تأتي تباعاً بإذن الله.
¥